للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر بعض فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه]

قال ابن كثير: ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف، وسائر الأوصاف الحميدة رضي الله تعالى عنه، فإنه كان صديقاً سخياً كريماً جواداً بذالاً لأمواله في طاعة مولاه ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكم من دراهم ودنانير بذلها في ابتغاء وجه ربه الكريم! ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها، ولقد كان فضله وإحسانه على السادات والبؤساء من سائر القبائل، ولهذا قال له عروة بن مسعود -وهو سيد ثقيف يوم صلح الحديبية-: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك.

وذلك أن عروة بن مسعود سيد ثقيف قال للنبي عليه الصلاة والسلام: ما أرى حولك إلا أوباشاً خليق بأن يفروا ويدعوك، أي: في ساعة الجد يفر الصحابة عنك ويتركوك لوحدك، فغضب أبو بكر فقال له كلمة شديدة جداً، فقال: من هذا؟! قالوا: أبو بكر.

فقال: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، ولكن هذه بتلك، يعني: أنت لك فضل علي فيما مضى.

فهذا اعتراف من عروة بن مسعود الثقفي بأن أبا بكر متفضل عليه.

فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل، فكيف إحسانه على المسلمين؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أنفق زوجين في سبيل الله دعته أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة نودي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصيام نودي من باب الريان، فقال أبو بكر: هل من أحد يدعى من هذه الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم) رواه البخاري.

والأحاديث في مناقب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه كثيرة جداً، فلـ أبي بكر حق في عنق كل واحد من هذه الأمة؛ لأن أبا بكر هو الرجل الثاني في الإسلام، وأبو بكر أفضل البشر بعد الأنبياء رضي الله تعالى عنه.

فلـ أبي بكر مكانة عظيمة جداً في الإسلام، ويكفي أن الله سبحانه وتعالى قال: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:٤٠]، فكان الله معهما، وليس هذا فحسب بل لقب بعد وفاة النبي عليه السلام خليفة رسول الله، فالله مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع الخليفة، وما نودي أحد بهذا اللقب إلا أبا بكر؛ لأن عمر لما صار خليفة رأى أن اللقب سيطول، فيقال: خليفة خليفة رسول الله، ثم يقال: خليفة خليفة خليفة رسول الله؛ فاستبدل ذلك اللقب بلقب أمير المؤمنين.

وفضائل أبي بكر رضي الله تعالى عنه يطول الحديث فيها جداً، وفيها مصنفات مستقلة.