يستفاد من هذه السورة أن الإنسان إذا أراد أن يحكم على شخص فلابد من الاعتدال والموازنة؛ لأن من الخلل عند الحكم على الأشخاص، أو على المناهج، أو على المواقف من خلال موقف واحد، فنهدر كل ما عند الشخص من الحسنات، فلا نذكر عنه إلا المساوئ.
فترى بعضهم يقول: إن هذا العالم أخطأ في قضية كذا، وأخطأ في الموضوع الفلاني، ويحبط كل حسناته بسبب هذا الخطأ، فهذا غير صحيح؛ فانظر إلى حاطب بن أبي بلتعة تحصل منه هذه المصانعة للمشركين، ومع ذلك عرف له الرسول عليه الصلاة والسلام حقه، فكون الرجل بدرياً شرف وفضل عظيم جداً لا يمكن أن يقارن:(وما يدريك يا عمر! لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).
فموقعة بدر وقع فيها الفرقان ونصرة الحق، وكانت فيها بداية انطلاق الدعوة إلى الأمام، وهي موقعة أذل الله فيها الكفار وأعز المسلمين، وهؤلاء البدريون لاشك أنهم أعلى طبقة في الصحابة، ففي هذا مراعاة مقام الناس والإحسان، وعدم نسيان حسناتهم إذا ما أساءوا.
وقد أحزنني كثيراً الحوار الذي يجري بين بعض الشباب حول الدكتور طارق سويدان، فإنه أخ فاضل على خير، وقد فتح الله على يديه خيراً كثيراً، فكم رأيته في أمريكا، فإنه في غاية النشاط في الدعوة إلى الله تعالى، فله محاضرات كثيرة جداً باللغة الإنكليزية، فالرجل له نشاط وهمة عالية في الدعوة إلى الله، وكذلك أشرطته يغلب عليها الخير، وموضوع أشرطة السيرة جيدة ونقول للمثبطين: أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا أما كلامه في قضية الفتنة بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم فقد أوضحناه أكثر من مرة، وقلنا: إن فيه نوعاً من الخطأ، وهو خطأ محدد في أن هذه القضية لا ينبغي أن تثار للعامة، بل ينبغي أن نشغل العامة بمناقب الصحابة وفضائلهم، ولا نفتح عليهم الكلام فيما شجر بين الصحابة، وهذا منهج أهل السنة.
والرجل -إن شاء الله- لعله يكون قد انتفع بهذه النصيحة، وهذا هو الظن به، وقد بلغني أنه أمر بإيقاف هذه الأشرطة بالذات، وبلغني بعض الشباب أنه الآن -عافاه الله وعافى سائر المسلمين- مصاب بالسرطان، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفيه ويعافيه، وأن يصرفه عنه وعن سائر المسلمين.
فيخوض بعض الشباب ويقول: أليس هذا الذي فعل كذا، أليس هذا الذي عمل الأشرطة التي فيها كذا!! فما هذا أيها الإخوة؟! الرجل مسلم وداعية إلى الله سبحانه وتعالى، وهو ليس من كبار علماء المسلمين، إلا أنه داعية ناصح، وقد خدم الدعوة كذا وكذا، فينبغي أن نعتزل عند نزال الأقران، ونستحضر موقف حاطب بن أبي بلتعة، وأن كونه بدرياً هو الذي أنقذه من وصف النفاق، ومن معاقبته بسبب تجسسه لصالح الأعداء كما بينا.