[تفسير قوله تعالى:(ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير)]
لقد بين سبحانه وتعالى أنه لن يكون في الدنيا هذا العذاب الأليم وإنما يكون في الآخرة؛ لأنه إذا ظهر في الدنيا سوف يزول معنى التكليف، ولذلك قال {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[يونس:١١].
((وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ)) أي: الذين لا يرجون لقاءه تعالى لكفرهم، وهم المذكورون في قوله تعالى:((إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا)) فلو يعجل الله لهذا الفريق من الناس الشر الذي كانوا يستعجلونه كما حكى الله عنهم بقوله: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال:٣٢] لهلكوا.
((اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ)) أي: تعجيلاً لهم مثل استعجالهم الدعاء بالخير.
((لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ)) أي: لو أن الله سبحانه وتعالى استجاب لهم لهلكوا وماتوا.
((فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)) أي: في ضلالهم وشركهم يترددون.
فهؤلاء بدل أن يقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه، لا.
إنما قالوا:{اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال:٣٢] فمن رحمته بهم أنه لا يستجيب لهذه الدعوة؛ لأنه لو استجاب لهذه الدعوة لقضي إليهم أجلهم ولأهلكوا ولحرموا من فرصة الإمهال والاستعتاب لعلهم إذا امتد أمرهم أن يتوبوا.
((وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ)) فالتقدير: لو يعجل الله للناس الشر الذي يستعجلونه استعجالهم بالخير، وإنما حذف إيجازاً للعلم به، ويوافقه قوله تعالى:{وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا}[الإسراء:١١].
((وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ)) أي: يدعو بالشر ويستعجل حصول الشر تماماً كما يدعو بالخير ويستعجل حصول الخير، يذكر المفسرون في هذه الآية من سورة الإسراء أن الإنسان يدعو على ولده مثلاً ويستعجل حصول الكوارث والمصائب كأن يقول: ربنا يفعل بك كذا، ويقطع لسانك، ويقصم ظهرك إلى آخر هذه الدعوات المشئومة، حتى إن الأم تدعو على ولدها ألا يأتي عليه الصباح وهو حي، أو أنه إذا خرج لا يعود، فلو استجاب الله سبحانه وتعالى هذه الدعوة لفسدت أمور الناس، فمن رحمة الله أنه لا يستجيب، وقد يستجيب إذا وافقت ساعة إجابة كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن دعاء الإنسان على أولاده أو على ماله، فقد توافق ساعة إجابة فيندم.