وقال جملة من أهل العلم: إن الوقعة بالبصرة بينهم جرت على غير عزيمة منهم على الحرب، بل فجأة، وعلى سبيل دفع كل واحد من الفريقين عن أنفسهم؛ لظنه أن الفريق الآخر قد غدر به؛ لأن الأمر كان قد انتظم بينهم على الصلح والتفرق على الرضا، فخاف قتلة عثمان رضي الله عنه من التمكين منهم والإحاطة بهم، فاجتمعوا وتشاوروا واختلفوا، ثم اتفقت آراؤهم على أن يفترقوا فريقين ويبدءوا بالحرب سحرة في العسكرين، وتختلف الضربات بينهم، وتختلف السهام بينهم، ويصيح الفريق الذي في عسكر علي: غدر طلحة والزبير، والفريق الذي في عسكر طلحة والزبير: غدر علي، فتم لهم ذلك على ما دبروه، ونشبت الحرب، فكان كل فريق دافعاً لمكرته عند نفسه، ومانعاً من الإشاطة بدمه، وهذا صواب من الفريقين وطاعة لله تعالى، إذا وقع القتال والامتناع منهما على هذه السبيل، وهذا هو الصحيح المذكور.
الحقيقة أن هذا حديث ذو شجون، وبقي تنبيهات قليلة تتعلق بموضوع ما وقع بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين؛ لأنه انتشرت الآن أشرطة للدكتور طارق السويدان فيها كلام مفصل في موضوع ما شجر بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومحاولة إنهاء الأمر.
والحقيقة أن بعض العلماء كان له بعض التحفظات على إشاعة الكلام عما حصل بين الصحابة بهذه الطريقة، فبعض العلماء ألف في ذلك وبين أن ما نص عليه العلماء هو أنه ينبغي الإمساك عن ذلك وعدم الخوض فيه، ومنهم الإمام النووي رحمه الله تعالى حيث قال: واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد -أي: في حديث: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) - ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، إنما اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله، وكان بعضهم مصيباً وبعضهم مخطئاً معذوراً في الخطأ لأنه اجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه.
هذا فيما يتعلق بموقف أهل السنة من قتال الصحابة؛ ربما يكون الدكتور طارق السويدان له رأي في هذه المسألة، ويمكن أيضاً أن يكون له وجه من النظر، بل هو يقول: أنا أضطر للكلام والتفصيل؛ لأن عامة كتب التاريخ التي تدرس في أغلب بقاع العالم الإسلامي فيها تاريخ مزور، فالناس قد تلوثوا بالباطل، فلزم إذهاب هذا الباطل وهذا التزوير في التاريخ الإسلامي، ببيان حقيقة ما أشيع.