للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كلام القاسمي على الآية]

يقول القاسمي: (يوم) منصوب بـ (اذكروا) أو (احذروا) يوم يجمع الله الرسل، وذلك يوم القيامة، وتخصيص الرسل بالذكر ليس لاختصاص الجمع بهم دون الأمم، أي: ليس الرسل هم الذين يجمعون فحسب، وإنما تجمع أيضاً الأمم مع الرسل، كيف لا وذلك يوم مجموع له الناس كما قال تعالى، وإنما خص الرسل بالذكر لإبانة شرفهم وأصالتهم والإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بجمع غيرهم بناءً على ظهور كونهم أتباعاً لهم، يعني: يوم يجمع الله الرسول وأتباع الرسل تبع لهم.

(فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ)، فيقول للرسل: ماذا أجبتم؟ أي: من الذي أجابكم ممن أرسلتم إليهم؟ ففيه إشعار بخروجهم عن عهدة الرسالة؛ إذ لم يقل: هل بلغتم رسالاتي؟! أو: هل بلغتم رسالتي؟! فمعناه أنهم لم يقصروا في تبليغ ما أمرهم الله بتبليغه، فهم أدوا الأمانة، وبلغوا هذه الرسالة، والسؤال هنا ليس المقصود به سؤال الرسل حقيقة، وإنما المقصود به توبيخ الذين أرسلوا إليهم، والذين يكونون حاضرين في هذه المشاهد العظيمة يوم القيامة (فيقول ماذا أجبتم)، وفي توجيه السؤال إليهم والعدول عن إسناد الجواب إلى قومهم -كأن يقال: ماذا أجابوا- فيه من الإنباء عن شدة الغضب الإلهي ما لا يخفى، أي: لم يسأل الله سبحانه وتعالى الذين أرسل إليهم أنفسهم في سياق هذه الآيات، وإنما توجه السؤال أولاً إلى الرسل، وهذا إشارة إلى شدة الغضب الإلهي في ذلك اليوم، وفي الصحيح كما في حديث الشفاعة أن كل نبي يقول يوم القيامة: (إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله).

وقوله تعالى: (قَالُوا) يعني: من هيبته تبارك وتعالى، وتفويضاً للأمر إلى علم سلطانهم، وتأدباً بليغاً في ذلك الموقف الجلالي (لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)، أي: من علم الخفيات، فإذا كنت يا ألله -سبحانه وتعالى- تعلم الغيوب -بل أنت علام الغيوب- فلن تخفى عليك الظواهر التي منها إجابة أممهم لهم، فلذلك قالوا: (لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)، فإذا كان الله هو علام الغيوب فأولى أن يعلم المظهر الذي أظهره قومه وما أجابوه به، فهم فقهوا أنه ليس المقصود سؤالهم حقيقة عن الإجابة، وإنما المقصود توبيخ من أرسلوا إليهم.

وفي هذه الآية دليل على جواز أن يوصف الله سبحانه وتعالى بـ (علام)، لكن لا يجوز أن يقال: علامة.

فقد أبى ذلك العلماء، ولعله لسبب ما فيها من تاء التأنيث.

يقول الرازي: اعلم أن عادة الله تعالى جارية في هذا الكتاب الكريم أنه إذا ذكر أنواعاً كثيرة من الشرائع والتكاليف والأحكام أتبعها إما بالإلهيات، وإمام بشرح أحوال الأنبياء، أو بشرح أحوال يوم القيامة، أي: دائماً تأتي الأحكام والتكاليف الشرعية ثم تتبع مباشرة إما بصفات الله، وإما بصفات أحوال يوم القيامة، وإما بشرح أحوال الأنبياء، لماذا؟ حتى يصير ذلك مؤكداً لما تقدم بين يدي ذلك من التكاليف والشرائع، فلما ذكر فيما تقدم في سورة المائدة أنواعاً كثيرة من الشرائع أتبعها بوصف أحوال يوم القيامة، فقال عز وجل هنا: (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ) إلى آخر الآيات.