تفسير قوله تعالى: (فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم)
قال تعالى: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ} [الذاريات:٥٩].
قوله: ((فإن للذين ظلموا)) أي: ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد بتكذيب الرسول والإصرار على الشرك والبغي والفساد.
((ذنوباً)) أي: نصيباً وافراً من العذاب.
وأصل الذنوب في لغة العرب: الدلو، وعادة العرب أنهم يقتسمون ماء الآبار والقُلُب بالدلو، فيأخذ هذا منه ملء دلو، ويأخذ الآخر كذلك، ومن هنا أطلقوا اسم الذنوب التي هي الدلو على النصيب، فأصل الذنوب النصيب، لكن لما كان هذا النصيب لا يحصل عليه إلا بالدلو صارت تأخذ معنى النصيب.
قال الراجز في اقتسامهم الماء بالدلو: لنا ذنوب ولكم ذنوب فإن أبيتم فلنا القليب يعني: لنا نصيب ولكم نصيب، فإن أبيتم فلنا القليب.
أي: سنأخذ نحن كل البئر.
ويروى أيضاً: إنا إذا سار بنا سريب له ذنوب ولنا ذنوب فإن أبى كان لنا القليب ومن إطلاق الذنوب على مطلق النصيب قول علقمة بن عبدة التميمي، وقيل: عبيد: وفي كل حي قد خبطت بنعمة فحق لكأس من نداك ذنوب وقول أبي ذؤيب: لعمرك والمنايا طارقات لكل بني أب منها ذنوب (المنايا): الموت.
وقوله: (لكل بني أب منها ذنوب) أي: لكل إنسان منها نصيب، ولابد أن يشرب من كأس الموت نصيبه.
إذاً: الذنوب في البيتين النصيب.
قوله: ((فإن للذين ظلموا)) أي: بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم.
(ذنوباً) أي: نصيباً من عذاب الله.
((مثل ذنوب أصحابهم)) أي: من الأمم الماضية من العذاب لما كذبوا رسلهم، كما قال تعالى: {قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الزمر:٥٠ - ٥١]، أي: سيحصلون على نفس النصيب من العذاب.
وقال تعالى هنا: ((فلا يستعجلون)) كما قال: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ} [الرعد:٦]، وقال تعالى: {فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم:٨٤].
يقول القاسمي: ((ذنوباً)) أي: نصيباً وافراً من العذاب.
((مثل ذنوب أصحابهم)) أي: مثل أنصباء نظرائهم من الأمم المحكية، وقوله: ((أصحابهم)) أي: أزواجهم وأصنامهم أو نظرائهم، وليس أصحابهم الذين يعيشون معهم.
وأصل الذنوب الدلو العظيمة الممتلئة ماء، أو القريبة من الامتلاء، وهي تذكر وتؤنث فاستعيرت للنصيب مطلقاً، في الشر كالنصيب من العذاب كما في الآية، أو في الخير كما في العطاء في الشعر الذي ذكرناه، وهو مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالذنوب، فيعطى لهذا ذنوب والآخر مثله.
((فلا يستعجلون)) أي: لا يطلبوا مني أن أعجل هذا الذنوب قبل أجله، فإنه لابد آتيهم، ولكن في حينه المؤخر لحكمة.