((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)) أي: لا معبود بحق في الوجود إلا هو، فإن كلمة (الإله) تطلق على الإله الحق والإله الباطل، وهناك أدلة من القرآن تدل على أن هناك آلهة باطلة، كقوله تعالى:{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً}[مريم:٨١]، وقوله:{فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}[هود:١٠١]، قوله:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}[الجاثية:٢٣]، فكلمة (إله) تطلق على الإله الحق والإله الباطل، فالشيطان (إله) لكن إله باطل، والدليل قوله تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[يس:٦٠]، والطاغوت هو الشيطان، وقال تعالى:{وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا}[طه:٩٧] وهو عجل السامري، وفي السنة حديث معروف يدل على أن المال إله يعبد:(تعس عبد الدينار، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فالآلهة الباطلة كثيرة جداً لا تنتهي ولا تنحصر، ومنها ما يعبد برضاه، ومنها ما لا يعبد برضاه، ومنها ما لا يشعر كالأحجار والأصنام، والمسيح عيسى عليه السلام إله باطل عبده النصارى زوراً؛ وكذلك عزير عليه السلام عبده اليهود، وهما بريئان بلا شك من هذا؛ كذلك الأولياء والصالحون قد يعبدون بعد موتهم، وهم غير راضين عن هذا، أما الآلهة التي عبدت من دون الله وهي راضية فإنها تكون في النار يوم القيامة.
إذاً: نحن لا نقدر: (موجود) في خبر لا التي للجنس في كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، فلا نقول: التقدير لا إله موجود إلا الله؛ لأن هناك آلهة كثيرة باطلة غير الله، لكن نقول: لا إله حق إلا الله، يعني: لا إله يعبد بحق إلا الله سبحانه وتعالى، أما كل إله دون الله عز وجل فهو إله باطل، ويجب أن تكفر به.
يقول السيوطي هنا رحمه الله تعالى:(الله لا إله) أي: لا معبود بحق في الوجود (إلا هو الحي) أي: الدائم البقاء (القيوم) المبالغ في القيام بتدبير خلقه.
((مَنْ ذَا الَّذِي)) يعني: لا أحد ((يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)) يعني: إلا بإذنه له فيها، فلا تكون شفاعة إلا بأن يأذن الله لمن يشفع في هذه الشفاعة ((يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ)) أي: الخلق ((وَمَا خَلْفَهُمْ)) أي: من أمر الدنيا والآخرة ((وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ)) أي: لا يعلمون شيئاً من معلوماته ((إِلَّا بِمَا شَاءَ)) يعني: إلا بما شاء أن يعلمهم به منها بإخبار الرسل.
((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ)) قيل: أحاط علمه بهما، وهذا القول ضعيف، وقيل:((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ)) أي: ملكه، وقيل: الكرسي نفسه مشتمل عليهما لعظمته، لحديث:(ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس) يقول القاضي كنعان: هذا حديث موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما، ولم يوجد مسنداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القرطبي: والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق بين يدي العرش، والعرش أعظم منه، وأخرج الآجري وأبو حاتم البستي في صحيحه والبيهقي وذكر أنه صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ما السماوات السبع! في جنب الكرسي إلا كحلقة ملقاة في صحراء) يعني: صحراء شاسعة مترامية الأطراف، ألقيت فيها حلقة صغيرة، فكل السماوات السبع بما فيها بالنسبة إلى الكرسي كحلقة ألقيت في أرض فلاة، قال:(وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة) يعني: النسبة بين العرش وبين الكرسي كالنسبة بين الكرسي وبين السماوات السبع، فالعرش غير الكرسي وأعظم منه، وبعض العلماء قالوا: إن الكرسي هو العرش، لكن هذا الحديث يثبت أن العرش غير الكرسي، وهو أعظم منه، وهذا هو الصحيح، وذهب بعضهم إلى أن العرش هو الكرسي، وعلى هذا القول مشى الجلالان في هذا التفسير، وقد نبهنا على ذلك في مواضعه.