للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين)]

قال تبارك وتعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:١٤١].

((وليمحص الله الذين آمنوا)) أي: لينقيهم ويخلصهم من الذنوب ومن آفات النفوس، وأيضاً يمحصهم ويخلصهم من المنافقين الذين يخالطونهم ولا يعرفونهم، فحصل للمؤمنين تمحيصان: تمحيص من نفوسهم، وتمحيص ممن كان يظهر أنه منهم ولكنه في الحقيقة عدو لهم.

ثم ذكر حكمة أخرى وهي محق الكافرين فقال: ((وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)) أي: ويهلكهم، فإنهم إذا كانت لهم الغلبة يبغون في الأرض وينشرون الفساد ويظلمون الناس، فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم، إذا أراد الله تعالى أن يهلك أعداءه ويمحقهم قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم، ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه ومحاربتهم وقتالهم، كما جاء في الحديث: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، حتى إذا لم يبق بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)، لابد من السبب وهو العمل.

فلذلك إذا أراد الله سبحانه وتعالى شراً بشخص لخبث نفسه وعدائه لدينه، فإنه ييسر له الأسباب ويمهله ويمده في الغي، ويتمادى في ظلم الناس وفي محاربة دين الله عز وجل، ويظن أنه سيحقق إنجازات وانتصارات بأن غلب دين الله وغلب أولياء الله عز وجل وحقق نصراً يتباهى به ويفخر ويتيه به، وهذا المسكين لا يدري أن كل ما يوقعه من البلاء بأولياء الله فسيوقع الله به أضعاف أضعافه في جهنم وبئس المصير، فلذلك يقيض الله لهم من الأسباب كما قال عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم:٨٣] أي: تدفعهم إلى الشر دفعاً {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [فصلت:٢٥]، فإذاً إذا أراد الله به هذا فإنه ييسره للعسرى، كلما أراد ظلماً لا يسد عليه باب الظلم، بل يجعله يتمادى في الظلم ويتمادى في محاربة الله عز وجل؛ حتى يوقعه في سوء عاقبة هذه الأعمال.

قوله تعالى: ((وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) المحق: هو ذهاب الشيء بالكلية حتى لا يبقى منه شيء، أو لا يرى منه شيء، وقد محق الله الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وأصروا على الكفر جميعاً.