[الحرب بين المسلمين ويهود إسرائيل]
إذاً القضية الفلسطينية قضية عقائدية، حين نجد هؤلاء الممسوخين من أمثال عرفات وغيره ممن يذلون أنفسهم يوماً بعد يوم ولا يرجعون بطائل، واليهود يمعنون في إذلالهم فزادوهم رهقاً؛ لأن عنصر العقيدة ألغي من القضية.
لن تعود فلسطين إلا بالإسلام، هذا لا شك فيه على الإطلاق، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء:١٠] وكما قلنا من قبل مراراً: الأمة المسلمة قد آتاها الله أشرف كتاب، وبعث منها أشرف رسول، بأشرف لغة، في أشرف بقاع الأرض وهي مكة، في أشرف شهور السنة وهو رمضان، وفي أشرف ليلة منه وهي ليلة القدر؛ لقد اجتمع لها الشرف من كل وجه، فالعزة في التمسك بالقرآن، فإذا فقدنا مصدر العزة فسنعود إلى الوضع الأصلي الذي كنا عليه، وهو وضع تأثير البيئة: (فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) كما قال عمر رضي الله عنه: (إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الإسلام، فمهما نبتغي العزة في غيره أذلنا الله).
(مهما) جملة شرطية، المعنى: أن الذي يؤتيه الله النعمة ويكفر بها لا يكون كمن لم يؤتها حتى وإن كفر، ولذلك قال الله للحواريون لما طالبوا بالمائدة: {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة:١١٥] فلذلك هذه الأمة إذا قطعت صلتها بالإسلام ستعود إلى التخلف والذل والهوان؛ لأن هذا هو وضعها الأصلي، وما رفع عنها الذل والهوان إلا بالإسلام، فإذا تخلت عن الإسلام تعود في ذيل الأمم.
فـ هتلر كان يعتبر اليهود أخس أجناس البشرية، بسبب الغدر والخسة والنذالة وقتلهم الأنبياء، ومع ذلك فأقدام اليهود الآن على رءوس من ينتسبون زوراً وكذباً للإسلام، فسيكون التفاضل بيننا وبينهم في العقيدة، فإذا نحن تخلينا عن العقيدة فلا شك أنهم سيتفوقون علينا في الدنيا.
الحوادث التي حصلت في الأيام الأخيرة، مثل فضيحة نتنياهو تنظر الناس لها على أن الموضوع كان تلقائياً، لا.
فاليهود يحاولون أن يلقنوا العالم كله درساً، بحيث يظهرون أنفسهم بأنهم الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، فبالتالي تستحق عطف الغرب بدل هؤلاء العرب الهمج، فاليهود يلفتون أنظار العالم كله وذلك بإبراز العدل عندهم، في حين يظهرون الغش والتزوير الموجود عند العرب بواسطة خبراء في هذا الجانب، فهي عملية تلميع لصورة اليهود لعنهم الله، ثم يأتي بعض ممن ينتسبون إلينا من الصحفيين العرب ويشيدون بالديمقراطية في إسرائيل، وكان من ضمن هذه العبارات: ليس عيباً أن نأخذ الدرس من إسرائيل ولكن العيب ألا نفهمه.
فالشاهد أن كل هذا محاولة تلميع صورتهم، وبالتالي تقبيح صورة من ينتسبون إلى الإسلام، وفي الحقيقة الإسلام مظلوم من الفريقين، لأننا لم نمثل الإسلام التمثيل الصحيح بل تخلينا عنه، وبسبب تخلينا عنه وصلنا إلى هذا الذل وهذا الهوان، وإلا لو كان عند الملك حسين ذرة من كرامة لما قبل المدعو بيجن، وهو يقول: نحن دائماً نتعاون مع بعض، فإذا تعاونت العبقرية اليهودية مع المال العربي أنتجت جنة في الأرض.
معنى ذلك: أن العرب ليس لهم قيمة إلا بالمال وبالبترول، وليس عندهم عقلية ولا عبقرية ولا إبداع.
واليهود من قبل شبهوا العرب بأنهم عبارة عن حيوان من ذوات الأربع يقف على أرض من ذهب، هذه صورة العرب عندهم، أي: أن كل قيمتهم في الأرض التي يقفون عليها، ولذلك الأمريكان أيام حرب الخليج قالوا -والعياذ بالله ونستغفر الله من حكاية هذا الكلام! -: نحن توجهنا لنصحح خطأ الرب -أستغفر الله- إنه أعطى هذه الأمة ما لا تستحقه من الثروات، ومن البترول بالذات.
فالشاهد من هذا أننا في كفة غير متعادلة، فاليهود دولة عقيدية اسمها إسرائيل، نسبة إلى نبي الله إسرائيل عليه السلام وهو يعقوب، ليس في إسرائيل دستور، وإنما دستور إسرائيل هو التوراة المحرفة، المناهج التعليمية كلها مصطبغة بصبغة دينية، أنا لا أدري ما سر أن الجماعات الدينية اليهودية في فلسطين المغتصبة لا يسمون المتطرفين؟! لماذا نحن نختص بلفظ التطرف؟ فكل يهودي متطرف سواء كان شيوعياً أو يسارياً أو يمينياً؛ لأن التطرف هو الانحراف عن الإسلام بفهم أهل السنة والجماعة، سواء داخل دائرة الإسلام أم خارجها.
فنعود إلى موضوعنا، قال الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى في الملل: كان أمر يعقوب عليه السلام بدخولهم من أبواب متفرقة إشفاقاً عليهم، إما من إصابة العين، وإما من تعرض عدو أو مستريب بإجماعهم أو ببعض ما يخوفه عليهم، وهو عليه السلام معترف أن فعله ذلك وأمره إياهم بما أمرهم به من ذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً يريده عز وجل بهم، ولكن لما كان طبيعة البشر جارية في يعقوب عليه السلام وفي سائر الأنبياء عليهم السلام كما قال تعالى حاكياً عن الرسل أنهم قالوا: {إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [إبراهيم:١١] حمله ذلك على بعض النظر المخفف لحاجة النفس ونزعها وتوقها إلى سلامة من تحب، وإن كان ذلك لا يغني شيئاً، كما كان عليه السلام يحب الفأل الحسن.
قال السيوطي في الإكليل: في هذه الآية أن العين حق كما ثبت ذلك في الحديث، وأن الحذر لا يرد القدر، ومع ذلك لا بد من ملاحظة الأسباب.
وقال بعض اليمانيين: لهذه الجملة ثمرات: وهي استحباب البعد عن مضار العباد والحذر منها، فأما فعل الله تعالى فلا يغني الحذر عنه، ثم ناقش القاسمي رحمه الله تعالى بالتفصيل قضية الحسد وتأثير العين وأنه حق في بحث واف شاف كاف ورد على المنكرين لذلك.
فنحن نتجاوزه مع أهميته وروعته اختصاراً، فمن يحتاجه يراجعه في تفسير هذه الآية.