قوله:((أَمْ أَنَا خَيْرٌ)) (أم) هنا بمعنى: بل، والمعنى: بل أنا خير ((مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ)) أي: ذليل ضعيف، لا شيء له من الملك والأموال، وهذا هو نفس المنطق المادي الذي يشيع في الكفار.
وقوله:((وَلا يَكَادُ يُبِينُ)) يعني: لا يكاد يبين الكلام؛ لمخالفة اللغة العبرانية للغة القبطية، وكلمة قبطي لا تدل على ديانة، وإنما أصلها المصري القديم، وهذا يعني أن المصري القديم كان في ساعات يعبد فرعون، وفي ساعات يعبد كذا، ولما دخلت النصرانية مصر تدينوا بها، لكن للأسف الشديد حتى اليوم نحن المصريين نسمى باللغة العبرانية بالأقباط، ففي اللغة العبرية كلمة (إيجبشن) ومعناها: قبطي، ولم تعرب بكلمة مصر إلى الآن.
وقوله:((وَلا يَكَادُ يُبِينُ))؛ أي: أن لغته غير واضحة بالنسبة لفرعون؛ لأنه يتكلم بالعبرانية، أما فرعون فيتكلم القبطية.
قال بعض المفسرين: إن هذا إشارة إلى عقدة كانت في لسانه، ثم أذهبها الله عنه، وهذا ورد في حديث الفتوح الطويل المعروف، وإن كان لم يصح، لكن يشيع عند المفسرين، خاصة في تفسير سورة طه، عند قوله تعالى:{وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا}[طه:٤٠]، فموسى عليه السلام لما كان صغيراً، وخشي فرعون على ملكه منه، قيل له: اختبره، وانظر ماذا سيختار، فأتى بجمرة من النار، وبشيء آخر، فألهم أن يأخذ جمرة النار؛ حتى يظهر له أنه لا يعقل ولا يعي الأشياء، فحصل منها هذه العقدة في لسانه، والله تعالى أعلم، وإن كان الظاهر والأصل أن الأنبياء مبرءون عن العيوب الجسدية.
وعلى أي الأحوال حتى لو فرضت صحة ذلك فالذي نؤمن به يقيناً أن موسى عليه السلام دعا الله سبحانه وتعالى أن يذهب عنه ذلك، وقد استجاب دعاءه؛ كما حكى الله عن موسى عليه السلام أنه قال:{وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}[طه:٢٧ - ٣٢] إلى قوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى}[طه:٣٦].
إذاً: هذا الخبيث فرعون إن كان يقصد بقوله: ((وَلا يَكَادُ يُبِينُ)) الإشارة إلى هذه العقدة التي كانت في لسانه، فنقول: لنفترض فعلاً أنها كانت عقدة، فقد أذهبها الله عنه، فكأن فرعون عيره بشيء قد كان وزال، وفرعون وإن كان يدري هذا لكنه أراد التضليل على الرعية؛ لأنه عارف بالحقيقة.