[حكم تحديد النسل والدعوة إليه]
السؤال
ما حكم الدعوة إلى تحديد النسل؟
الجواب
إن دعوة تحديد النسل إن طبقت فإنما هي عملية انتحار لهذه الأمة.
إن الاستجابة لهذه الدعوة الشيطانية هو الانتحار بأدق معاني الكلمة.
لا شك أن من أعظم مقاصد النكاح في الإسلام: هو تكثير عدد المسلمين.
فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إني أصبت امرأة ذات حسن وجمال وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ فقال: لا.
ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم)، فهذا تحقيق لمباهاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكثرة أمته يوم القيامة، وهذا الحديث صححه أبو محمد عبد الحق وهو ابن عطية الأندلسي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث رجلاً على بعض السقاية، فتزوج امرأة وكان عقيماً، فقال له عمر: أعلمتها أنك عقيم؟ قال: لا.
قال: فانطلق فأعلمها ثم خيرها).
يقول الدكتور الصباغ حفظه الله تعالى: إن غريزة الامتداد في الذراري والأحفاد لا يستطيع المرء السوي أن ينعم بها إلا عن طريق الزواج، فكما أحسن إليك والدك فكان سبب وجودك في هذه الدنيا، فكذلك ينبغي لك أن تقابل هذا الإحسان بالبر إليه والوفاء، فتنجب للدنيا نبتة كريمة، تتعاهدها بالتربية والتهذيب تحيي اسم والدك، ويكون عملها الطيب في سجلك.
ويكفي الممتنع عن الإنجاب عقوقاً أن يكون هو الشخص الأول الذي يقطع هذه السلسلة، التي تبدأ بآدم وتنتهي به.
أيضاً ورد من حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له في وصية جامعة: (ولك في جماعك زوجتك أجر، قال أبو ذر: كيف يكون لي أجر في شهوتي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو كان لك ولد فأدرك ورجوت خيره فمات أكنت تحتسبه؟ قلت: نعم، قال: فأنت خلقته؟ قال: بل الله خلقه، قال: فأنت هديته؟ قال: بل الله هداه، قال: فأنت ترزقه؟ قال: بل الله كان يرزقه؟ قال: فكذلك تضعه في حلاله وجنبه حرامه فإن شاء الله أحياه وإن شاء أماته ولك أجر) فهذا يدل على أنه يستحب أن ينوي عند إتيان أهله طلب الولد الصالح.
فعلى المسلم أن يستحضر هذه النية فإنه يثاب عليها، يقول تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة:١٨٧] المقصود ألا تباشروهن لقضاء الوطر وحده، ولكن لابتغاء ما وضع الله في النكاح من التناسل.
وقال أبو هريرة وابن عباس وأنس: ((وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة:١٨٧] يعني: من أجل طلب الولد).
وقال صلى الله عليه وسلم لـ جابر رضي الله تعالى عنه: (إذا قدمت فالكيس الكيس) أي: الجماع الجماع والعقل العقل، الحديث متفق عليه.
قال العلماء: المقصود بالكيس أي: الجماع لطلب الولد، فهذا فيه تحريض على طلب الذرية.
وأيضاً روى البخاري في صحيحه: باب من طلب الولد للجهاد، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة، أو تسع وتسعين، كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون)، فالشاهد هنا كما في ترجمة الباب أنه ينوي عند المجامعة حصول الولد ليجاهد في سبيل الله، فيحصل له بذلك أجر، حتى لولم يرزق الولد لكنه يثاب على هذه النية.
ويقول عمر رضي الله عنه: (إني لأكره نفسي على الجماع؛ رجاء أن يخرج الله مني نسمة تسبح الله تعالى).
وقال رضي الله عنه: (تكثروا من العيال فإنكم لا تدرون ممن ترزقون).
الموضوع يحتاج إلى كلام أوسع من هذا، لكن باختصار شديد ذكرنا أن موضوع تحديد النسل أو ما إلى ذلك من المسميات، قد يباح بالجزء سواء بالإجهاض أو بتحديد النسل في حياة فردية حسب ظروف معينة ومعطيات معينة، فيباح مثل هذا الفعل خلافاً للأصل لبعض الأفراد، لكن أن يكون هناك إعلان عام للناس يرغبون في تحديد النسل أو في الإجهاض أو غير ذلك من هذه الأشياء فهذا حرام قطعاً؛ لأن هذا يخالف المقاصد العليا للشريعة الإسلامية.
والمقاصد العليا للشريعة الإسلامية: هي حفظ الدين والعقل والدم والنسل والعرض والمال.
إذاً: فكل ما يخل بهذه الضروريات أو هذه المصالح فإنه يحرم في الشريعة.
فإذا قالوا: هذه سياسة عليا للدولة، نقول: كذلك الدولة الإسلامية عندها سياسات عليا لا تقبل النقاش، من هذه السياسات العليا للدولة الإسلامية أنه لا يجوز الجهر بأي دعوى تتصادم مع المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، فمثلاً: الشريعة الإسلامية حرضت على الزواج، وسلكت في سبيل ذلك كل ما أمكن من الوسائل لتسهيل الزواج وتيسيره والحض عليه، فهذه هي السياسة العليا للدولة الإسلامية في هذه المسألة، فلا يجوز بحال من الأحوال تبني دعوى تناقض هذه السياسة، بمعنى: أن يحرض الشباب على العزوبية، أو تأخير الزواج، أو منع الزواج المبكر أو غير ذلك من الوسائل المضادة للمقاصد العليا للشريعة الإسلامية، ولذلك لا تستعجب ولا تستغرب إذا وجدت علماء الحديث يدلون بقاعدة كلية في هذا الباب، فيقولون: أي حديث فيه التحريض على العزوبة فهو حديث لا يصح؛ لمنافاته مقاصد الشريعة، فهذا مما يستدل به على ضعف المتن؛ لأنه يخالف مقاصد الشريعة، حتى لو صح سنده، مع أنه لا يوجد أي حديث صح سنده يحرض على تقليل النسل أبداً، ولو صح وصادم المقاصد العليا للشريعة الإسلامية فيطعن في الحديث، وهذا لا يكون إلا للأئمة الكبار وليس لكل الناس نقد الحديث من جهة المتن.
إذاً: أحد الأسباب التي يطعن بها في المتن مع صحة السند منافاته للمقاصد العليا للشريعة الإسلامية التي تعلم من الدين بالضرورة.
هناك من الناس من يلعبون بعقول الناس، فتراهم يأتون إلى بعض الحالات الفردية التي يجوز فيها الإجهاض أو تحديد النسل ليعمموها، مع أن الحالات الفردية هذه محددة ومقيدة بظروف خاصة، ولا يجوز تبني ما يخالف المقاصد العليا للشريعة الإسلامية: ومن المقاصد العليا للشريعة الإسلامية: التحريض على الزواج.
تيسير الزواج بكل وسيلة.
منع أي دعوى للعزوبة.
منع قضاء الوطر في خارج دائرة الزواج.