قوله:(انظر كيف كذبوا على أنفسهم)، يعني: بنفي الإشراك عنها أمام علام الغيوب، وبحضرة من لا ينحصر من الشهود، فإن الشهود لا ينحصرون في ذلك اليوم، وأكبر شيءٍ شهادةً هو الله عز وجل، الذي رآهم وكان شهيداً على أعمالهم وشركهم وكفرهم، ثم الرسل والملائكة والبشر، وكل هؤلاء يشهدون عليهم، ومع ذلك اجترءوا على الكذب أمام الله عز وجل، فلذلك يقول تعالى:(انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون)، أي: انظر كيف ضاع وغاب عنهم ما كانوا يفترون من الشركاء، فلم يغن عنهم شيئاً، ففقدوا ما رجوا من شفاعتهم ونصرتهم لهم، وهذا كقوله تعالى:{قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا}[الأعراف:٣٧] أي: خذلونا.
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف يصح أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور، وعلى أن الكذب والجحود لا وجه لمنفعته؟! يعني: كيف يكذبون مع أنهم يطلعون الآن على الغيبيات وعلى حقائق الأمور، ويطلعون على أن الكذب والجحود لن ينفعهم يوم القيامة؟ يقول الزمخشري: الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه.
أي أنه يتعلق بقشة، والكذب أسوأ من القشة، فالممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه، من غير تمييز بينهما حيرةً ودهشاً، ألا تراهم يقولون:{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}[المؤمنون:١٠٧]، مع أنهم قد أيقنوا بالخلود في جهنم، ومع ذلك يحاولون أي محاولة فيقولون:{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}[المؤمنون:١٠٧]، وقد أيقنوا بالخلود ولم يشكوا فيه، كما قال تعالى عنهم:{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}[الزخرف:٧٧] وقد علموا أنه لا يقضي عليهم.