وقال الزمخشري: فإن قلت ما معنى سؤالهم؟ قلت: توبيخ قومهم، كما كان سؤال الموءودة توبيخاً للوائد.
أي قوله تعالى:{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}[التكوير:٨ - ٩]، فهل المقصود حقيقة سؤال الموءودة وهي مظلومة؟ وإنما المقصود توبيخ الوائد.
فإن قلت: كيف يقولون: (لا علم لنا) وقد علموا بما أجيبوا؟ أي أنهم يعلمون أنهم أجيبوا؛ لأنهم عاصروا قومهم وعاشوا معهم، وسمعوا ردودهم عليهم، فكيف قال الأنبياء:(لا علم لنا) وهم يعلمون بما أجيبوا؟ يقول الزمخشري: قلت: يعلمون أن الغرض في السؤال توبيخ أعدائهم، فيكلون الأمر إلى علمه تبارك وتعالى، وإحاطته بما منوا به منهم، وكابدوا من سوء إجابتهم إظهاراً للتشكي، واللجأ إلى ربهم في الانتقام منهم، وذلك أعظم على الكفرة، وأفت في أعضادهم، وأجلب لحسرتهم وسقوطهم في أيديهم، إذ اجتمع توبيخ الله، وتشكي أنبيائه عليهم.
فبهذا السياق قالوا:(لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب)، فالأنبياء كأنهم يقولون: يا رب! أنت تعلم ما فعل هؤلاء القوم معنا، فكأن القياس هنا صار قياس إنك أنت علام الغيوب، ومما تعلم ما فعل معنا هؤلاء القوم، وما آذونا وما حاربونا به، وهذا يكون أجلب وأشد لحسرة الكافرين حينما يرون غضب الله وتشكي أنبيائهم منهم في هذا الموقف العظيم.
قال الزمخشري: ومثاله: أن ينكب بعض الخوارج على السلطان خاصةً من خواصه نكبةً قد عرفها السلطان، يعني أن واحداً من خواص السلطان والمقربين إليه يأتي إليه رجل فيؤذيه أو يناله بسوء، وهذا الرجل الذي آذاه هو خارج عن السلطان، والسلطان يكون قد عرف هذه الحادثة، واطلع على كنهها، وعزم على الانتصار له منه، فيجمع بينهما ويقول له: ما فعل بك هذا الخارجي؟ وهو عالم بما فعل به، يريد توبيخه وتبكيته.
فيقول له: أنت أعلم بما فعل بي، تفويضاً للأمر إلى علم سلطانه، واتكالاً عليه، وإظهاراً للشكاية، وتعظيماًَ لما حل به منه.