للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قل هو الله أحد)]

قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١].

يقول الشيخ عطية سالم -رحمه الله تعالى- في تفسير سورة الإخلاص: قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١]، (قُلْ) أي: لا تقله من عند نفسك؛ بل قل: هذا الذي عرفته صادقاً يقول لي: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) أي: الواحد الوتر الذي لا شيبه له ولا نظير ولا صاحبة ولا ولد ولا شريك.

ومعلوم أن هذه المعاني كلها صحيحة في حقه تبارك وتعالى؛ فالله هو الواحد الوتر، الذي لا شريك له ولا ند ولا نظير.

فهذه الآية تدل على أن الله سبحانه وتعالى أَحد في ذاته وفي صفاته، فلا شيبه له ولا شريك ولا نظير ولا ند له سبحانه وتعالى.

فهذه صفات الرحمن كما جاء في الحديث الذي سبق أن ذكرناه، وفيه قصة ذلك الصحابي الذي قال: إني أحبها؛ لأنها صفة الرحمن -تبارك وتعالى-.

وهذا مما يدل على خطورة موقع قضية معرفة الله سبحانه وتعالى.

ومعرفة الله كما يقول البعض: زلة حاضرة، فكيف يعرف الله؟ إن معرفة الله سبحانه وتعالى لا تكون بالعقل، وإنما يعرف بالوحي، فصفات الله وأسماؤه لا يمكن أن يجتهد الإنسان فيها بعقله حتى يصل إليها، فكيف لهذا المحدود أن يدرك المطلق سبحانه وتعالى؟! إذاً: فمعرفة الله لا تكون إلّا بالوحي، فيأتي الوحي ويخبرنا عن أسماء الله وصفاته وأفعاله عز وجل، وليس الأمر كما يقول بعض الناس: ربنا عرفناه بالعقل، فبالعقل نتأمل في مخلوقات الله، فنصل بذلك إلى حكمته وعلمه وقدرته، وآيات توحيده، وأما معرفة الله فإنما تكون عن طريق الوحي.

وقضية الأسماء والصفات قضية في غاية الخطورة، خلافاً لبعض الجهلة ممن لم تسبقهم إلى بدعتهم وقولهم وجهلهم أي طائفة، لا من أهل السنة ولا من أهل البدعة؛ لأن الفرق كلها تعطي هذه القضية الأولوية المطلقة في قضايا الدين، فقضية معرفة الله وأسمائه وصفاته قضية لها الأولوية المطلقة، معرفة الله وما يليق به وما لا يليق به؛ لأن علم التوحيد هو أشرف العلوم على الإطلاق، فالعلم يشرُف بشرف المعلوم، فمثلاً: هل علم الطب مثل علم الحشرات؟ لا؛ لأن موضوع علم الطب هو رأس مال الإنسان في الحياة الدنيا، وهي الصحة، وأما علم الحشرات فعلم أقل من ذلك بكثير، وهكذا، فبشرف المعلوم يشرف العلم، فأشرف معلوم في الوجود هو الله سبحانه وتعالى، فمن ثَم فإن علم التوحيد هو أشرف العلوم على الإطلاق؛ لأن موضوعه معرفة الرب عز وجل، ومعرفة ما يليق بالله، ومعرفة ما ينبغي أن ننزه الله تبارك وتعالى عنه.

إذاً: فقضية التوحيد قضية محورية جوهرية لها مرتبة أولية على كل ما عداها من القضايا.

ومع ذلك نسمع بعض الجهلة يقولون: التوحيد يفرق الناس، فدعونا في الأمور التي وراءها عمل، فالمسكين يظن أن هذا ليس بعمل! أليس القلب إذا عرف الله وصدّق فهذا منه عمل؟! ألم يقل تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة:٢٢٥]، فالكسب هو اليقين في القلب، أليس هذا عملاً، وأليس هذا تصديقاً؟! إذاً: فهذه السورة هي ثلث القرآن، وقد بشر الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك الصحابي الذي كان يختم بها في الصلاة أن الله تعالى يحبه؛ لأنه يحب صفة الرب تبارك وتعالى، فليس فيها إلا الصفة، وليس فيها حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي، وإنما فيها خبر عن صفات الله، وما يليق بالله وما لا يليق بالله.

وأيضاً فإن أعظم آية في القرآن هي آية الكرسي، ومع ذلك ليس فيها الأمر أو النهي أو العمل الذي يزعمونه، وليس فيها سوى الخبر عن الله: إثباتاً لما يليق به، ونفياً لما لا يليق به، {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:٢٥٥] فيه نفي وإثبات، ((لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)) فالحي القيوم لا يمكن أن تأخذه سنة ولا نوم، {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:٢٥٥].

وقد سبق مراراً أن نبهنا على هذا الأمر، فنكتفي بهذه الإشارة.

وقد دلت هذه الآية الكريمة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} على أن الله سبحانه وتعالى أحد، أي: في ذاته وصفاته، فلا شبيه له ولا شريك ولا نظير ولا ند.

فقوله تبارك وتعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فسره ضمناً قوله تبارك وتعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤]؛ أي أن الله سبحانه وتعالى واحد فرد لا شريك له ولا ند ولا نظير ولا شبيه، لا في صفاته، ولا في ذاته، ولا في أفعاله.

وكذلك أيضاً (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) يفسرها قوله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)).

((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) تفسيرها: ليس كالله شيء.

وأما المعنى العام: فإن الرسالة المحمدية كلها، بل وجميع رسالات الأنبياء إنما جاءت لتقرير هذا المعنى؛ لأن الله سبحانه وتعالى واحد أحد، ولا يدل على هذا آيات القرآن الكريم فقط، ولا الكتب المنزلة على الأنبياء من قبل فقط، بل يحوم ويدندن حول هذه القضية كل ما في الوجود، كما يقول الشاعر: فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد ويقول الآخر: تأمل سطور الكائنات فإنها من الملأ الأعلى إليك رسائل وقد خُطَّ فيها لو تأملت خطَّها ألا كلُّ شيء ما خلا اللهَ باطل وأما نصوص القرآن على هذه الحقيقة الخالدة، والتي هي أعظم حقيقة في الوجود، فكثيرة جداً، وكل الوجود يدور حول إثبات هذه الحقيقة وهي: التوحيد لله تبارك وتعالى، ونفي النظير والشريك والند والمثل له.

يقول تبارك وتعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:١٦٣].

ويقول تعالى في سورة التوبة: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [التوبة:٣١].

وفي سورة ص: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [ص:٦٥].

وقال تعالى: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [إبراهيم:٥٢].

فسبحانه جل جلاله، وتقدست أسماؤه، وتنزهت صفاته، فهو واحد أحد في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته، وفي أفعاله.

وقد جاء القرآن أيضاً بتقرير هذا المعنى عقلاً كما أقره نقلاً، أي أنه جمع بين العقل والنقل.

فما مضى فتملك أدلة نقلية، وإخبار من الله سبحانه بأنه واحد لا شريك له.

وقد عرض القرآن هذه القضية على سبيل الاستدلال العقلي، فقال تبارك وتعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء:٤٢ - ٤٣].

وقال تبارك وتعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:٢٢]، فدلل على عدم فسادهما بعدم تعددهما، فهل فسدت السموات والأرض؟

الجواب

لم تفسد، بل هي على نظام ثابت مستقر بمشيئة الله، فيدل هذا على عدم تعدد الآلهة.

وجُمع العقل والنقل في قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون:٩١].