للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل يكفر الرافضة لغيظهم على الصحابة؟]

قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: من هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله تعالى عنهم، قال: لأنهم يغيظونهم -إذا رأوا الصحابة يغتاظون، وتغلي عروقهم من الحقد على الصحابة -ومن غاظه الصحابة فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء على ذلك.

انتهى كلام ابن كثير.

يقول الإمام العلامة القاسمي: ولا يخفاك أن هذا خلاف ما اتفق عليه المحققون من أهل السنة والجماعة من أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة كما بسط في كتب العقائد، وأوضحه النووي في مقدمة مسلم، وقبله الإمام الغزالي في كتاب فيصل التفرقة، وقد كان من جملة البلاء في القرون الوسطى التسرع من الفقهاء في التكفير والزندقة، وكم أريقت دماء في سبيل التعصب لذلك كما يمر كثير منه بقارئ التاريخ.

على أن كلمة الأصوليين اتفقت على أن المجتهد كيفما اجتهد كان مأجوراً غير مأزور، ناهيك بمسألة عدالتهم المتعددة أقوالها، حتى في أصغر كتاب في الأصول كمثل جامع الجوامع، نعم إن التطرف والغلو في المباحث ليس من شأن الحكماء المنصفين، وإذا اشتد البياض صار برصاً.

على أي الأحوال فمسألة تكفير الرافضة فيها تفصيل، والشيعة كلمة لها عدة معان على درجات أو دركات، فالشيعة بالمعنى الصحيح هم أهل السنة الذين تشيعوا لأهل البيت، فنحن نحبهم وننزلهم منزلهم اللائق بهم، فالشيعة بمعنى الأنصار كما قال الله: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} [الصافات:٨٣]، فنحن الشيعة أنصار أهل البيت، ونحن نحبهم دون أن نعبدهم مع الله أو نغلو فيهم، فالشيعة في الحقيقة هم أهل السنة؛ لأنهم هم الذين يتشيعون لأهل البيت بحق وبعدل وبإنصاف، لكن بعد ذلك يطلق لفظ الشيعة على الاعتقاد في تفضيل علي على من سبقه من الخلفاء، واعتقاد أنه أحق بالإمامة من أبي بكر وعمر، فهذا تشيع.

وهناك تشيع الزيدية وهي درجة أخف، وهناك تشيع الرافضة الإمامية الجعفرية الاثني عشرية، وهم من أهل الضلال، وهناك تشيع السبئية الذين زعموا أن علياً إله، وعبدوه من دون الله.

فالشيعة لا يصح لإنسان أن يصدر حكماً عاماً على كل شيعي، حتى رافضة إيران اليوم لا يصلح التعميم في الحكم عليهم؛ لأن المسألة تحتاج إلى تفصيل، وأن تسأل الشيعي: ماذا يعتقد؟ فالبدعة قد تكون مكفرة وقد تكون غير مكفرة، مكفرة مثل أن يعتقد أن القرآن الموجود قرآن ناقص، وأن القرآن الحقيقي هو ثلاثة أضعاف هذا القرآن، وأنه مخبوء مع إمامهم المهدي المزعوم، وغير ذلك من الخرافات، فهذا طعن في القرآن الكريم، وهو كفر، هكذا نفصل، ولا ينبغي التعميم، والعوام ليسوا كالخواص، فالعامي الجاهل الذي نشأ على الرفض، وظن أن هذا هو الإسلام، ليس كالخواص.

ولا شك أنه حتى مع تكفيرهم لن يكونوا كالكفار الأصليين؛ لأن من اعتقد أن محمداً رسول الله، وأنه صادق ومرسل من عند الله؛ لا يستوي مع من لم يعتقد ذلك، فالمسألة فيها تفصيل، ولابد من معرفة ضوابط التبديع أو التفسيق أو التكفير، وهذا قد فصلناه في محاضرة بعنوان (ضوابط التبديع).