للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ويل للمطففين يخسرون)]

{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:١ - ٣].

يقول تبارك وتعالى: ((وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)): أي: هلاك للمطففين.

قال الأصفهاني: ومن قال: ويل واد في جهنم، فإنه لم يرد أن ويلاً في اللغة هو موضوع لذلك، وإنما أراد: من قال الله تعالى ذلك فيه فقد استحق مقراً من النار.

ثم عرف تعالى المطففين فقال: ((الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ)) أي: إذا أخذوا الكيل من الناس يأخذونه وافياً زائداً، على إيهام أن ذلك تمام الكيل، فإذا فعلوا ذلك في الكيل الذي هو أقل مقداراً ففي الوزن بطريق الأولى.

وهنا يقول الله: ((الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ)) ولم يقل: الذين إذا اكتالوا من الناس، فكلمة: (على) قدرت بـ (من) للإشارة إلى ما في عملهم المنكر من الاستعلاء والقهر، وبيان شأن الظالم المتحامل المتسلط الذي لا يستبرئ لدينه ولذمته.

((وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)) أي: إذا كالوا للناس أو وزنوا لهم ينقصونهم حقهم الواجب لهم، وهو الوفاء والتمام في الكيل والوزن.

قال ابن جرير: من لغة أهل الحجاز أن يقولوا: وزنتك حقك، وكلتك طعامك.

بمعنى: وزنت لك وكلت لك.

وفي الإكليل: في الآيتين ذم التطفيف والخيانة في الكيل والوزن.

أي: أنه من المنكر ومن المحظورات أشد الحظر؛ لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل في الأخذ والدفع ولو في شيء قليل؛ لأن من دنت نفسه إلى القليل فطويته فاسدة وملكته خبيثة، وأنه لا يبعده عن التوثب إلى الكثير إلا عجز أو رقابة.

يعني: لو كان قادراً على أن يستولي على ما ليس بحقه لفعل، ولو لم يكن عليه رقيب لأخذ ما استطاع، ولو لم يكن من حقه.

قال ابن جرير: وأصل التطفيف من الشيء الطفيف، والطفيف هو القليل النزر، والمطفف المقلل حق صاحب الحق عما له من الوفاء والتمام في كيل أو وزن، ومنه قيل للقوم الذين يسيرون سواءً في حسبة أو عدد: هم سواء كطف الصاع.

وقد أمر تعالى بالوفاء في الكيل والميزان, فقال تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [الإسراء:٣٥]، وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن:٩] وقص علينا سبحانه أنه أهلك قوم شعيب ودمرهم على ما كانوا يبخسون الناس في الميزان والمكيال.