[تفسير قوله تعالى:(المال والبنون زينة الحياة الدنيا)]
ثم بين تعالى شأن ما كانوا يفتخرون به من محسنات الدنيا، فقال:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}[الكهف:٤٦].
((المال والبنون زينة الحياة الدنيا)) وذلك لإعانتها فيها ووجود الشرف بهما، ثم أشار أنهما ليسا من أسباب الشرف الأخروي؛ إذ لا يحتاج فيها إليهما في الآخرة، أما في الدنيا فهما ترف وزينة، لأن المال والبنين يعاونان صاحبهما، لكن هذا ليس من أسباب الشرف الأخروي، فقال عز وجل:((والباقيات الصالحات)) أي: المال والبنون لا يبقيان وهما زينة الحياة الدنيا ومصيرهما مصير الحياة الدنيا الذي بينه في الآية السابقة، لكن الباقيات الصالحات خير منهما، ((عند ربك ثواباً وخير أملاً)) أي: الأعمال التي تبقى ثمراتها الأخروية من الاعتقادات والأخلاق والعبادات الكاملات خير عند ربك من المال والبنين في الجزاء والفائدة، وخير مما يتعلق بهما من الأمل؛ فإن ما ينال بالمال والولد أو البنين من الآمال والإنجازات في الدنيا غايتها أنها تكون إلى زوال، أما ما ينال من الآمال في الأعمال الصالحات فإنه باق، يقول: وما ينال بالباقيات الصالحات من منازل القرب الرباني والنعيم الأبدي لا يزول ولا يحول.
وقدم المال على البنين لعراقته فيما نيط به من الزينة والإمداد، يعني: المال عنصر عريق وعنصر أساسي بما يربط به من الزينة والإمداد، ولكون الحاجة إليه ماسة؛ ولأن المال زينة ولو بدون بنين، وقد يوجد رجل عنده بنون بدون مال فلا يكون زينة، ولكن إذا كان المال قد يكون زينة لصاحبه ولو لم يكن هناك بنون، ولذلك قدم ذكر المال على البنين.
وأفردت الزينة، مع أنها مسندة إلى الاثنين لأنها مصدر في الأصل أطلق على المفعول مبالغة، وإضافتها إلى الحياة اختصاصية؛ لأن زينتها مختصة بها.
وقال:((الباقيات الصالحات)) ولم يقل: (الأعمال التي تبقى)، وكأن الأمر مفروغ منه، وللإيذان بأن بقاءها أمر محقق لا حاجة إلى بيانه، بل لفظ:((الباقيات)) اسم لها لا وصف، ولذلك لم يذكر الموصوف، وإنما يحتاج إلى التعرض لخيريتها.
وقال:((والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً))، فكرر (خير) للإشعار باختلاف حيثيتين.
أي: الخيرية والمبالغة مع زيادة.
ووقع في كلام السلف تفسير الباقيات الصالحات: بالصلوات والأعمال الحسنة والصدقات والصوم والجهاد والعتق وقول: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)، أي: الكلام الطيب، وبغيرهما مما روي مرفوعاً وموقوفاً، والمرفوع من ذلك كله لم يخرج في الصحيحين، وكله على طريق التمثيل، واللفظ الكريم يتناولها لكونها من أفراده.
يعني: لا تعارض بين العموم التي ذكرناه في تفسير الباقيات الصالحات وبين الخصوص الوارد في بعض الأحاديث على أنه من أفرادها، كما يقول النبي عليه الصلاة والسلام:(من قال: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات ومعقبات ومجنبات من الجانبين، وهن الباقيات الصالحات)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.