نشرع في تفسير السورة الحادية والخمسين من القرآن الكريم وهي سورة الذاريات، وسميت بالذاريات؛ لأن الذاريات مصدر الخيرات، وبذلك اقتضت العناية الإلهية.
وهذه السورة مكية وآيها ستون آية.
قال الله سبحانه وتعالى:{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا}[الذاريات:١] يعني بذلك: الرياح التي تذرو البخارات ذرواً.
((ذرواً)) أي: نوعاً من الذرو يعقبها سحاب.
وقيل: الولود من النساء فإنهن يذرين الأولاد.
يعني: كأنه شبه تتابع الأولاد بما يتطاير من الرياح.
قوله:((والذاريات)) اسم فاعل من ذرى معتل، بمعنى: فرق وبدد ما رفعه عن مكانه، ويقال أيضاً: أذرى، أما ذرأ المهموزة فبمعنى: أنشأ وأوجد.
يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: أكثر أهل العلم على أن المراد بقوله:) ((والذاريات ذرواً)) أي: الرياح، وهو الحق إن شاء الله.
إذاً: الراجح في تفسير الذاريات أنها الرياح، ويدل عليه أن الذرو صفة مشهورة من صفات الرياح، كما قال تعالى:{فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}[الكهف:٤٥] أي: ترفعه وتفرقه، فهي تذرو التراب والمطر وغيرهما، ومنه قول ذي الرمة: ومنهل آجن قفر محاضره تذر الرياح على جماته البعرا يقول الشنقيطي: ولا يخفى سقوط قول من قال: إن الذاريات النساء، لكن الراجح أن الذاريات هي الرياح تذرو البخارات ذرواً.