للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقوال المفسرين في تفسير آية صلاة الخوف وما بعدها]

يقول القاسمي رحمه الله تعالى: ((وَإِذَا كُنتَ)) أي: مع أصحابك شهيداً وأنتم تخافون العدو.

((فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ) أي: أردت أن تقيم بهم الصلاة، بالجماعة التي لوفور أجرها يتحمل مشاقها.

((فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) أي: إذا أنت أردت أن تقيم لهم الصلاة فاقسمهم طائفتين، تصلي بطائفة، ولتقف الطائفة الأخرى بإزاء العدو ليحرسوكم منهم، وإنما لم يصرح به لظهوره.

ما الفائدة من قوله: ((فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) هذا لأن المعنى واضح جداً وظاهر أي: لكي يحرسوكم أثناء الصلاة.

((وَلْيَأْخُذُوا)) أي: الطائفة التي قامت معك تصلي، ((وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ)) أي: معهم؛ لأنه اقرب للاحتياط.

((فَإِذَا سَجَدُوا)) يعني: هؤلاء القائمون معك بعد أداء سجدتي الركعة الأولى وإتمام الركعة يفارقونك.

يعني: بعد أن يتموا الركعة الأولى يفارقون النبي عليه الصلاة والسلام ويتمون هم صلاتهم.

وتقوم إلى الثانية منتظراً الطائفة الثانية.

يعني: الإمام يكبر تكبيرة الإحرام بالطائفة الأولى ويصلون معه الركعة الأولى، والطائفة الأخرى تقف خلفهم للحراسة.

((فَإِذَا سَجَدُوا)) يعني: إذا فرغوا من الركعة الأولى بأن سجدوا السجدتين في الركعة الأولى يقومون هم، ويظل الإمام منتظراً مكانه حتى يتموا صلاتهم، ثم يقوم إلى الركعة الثانية.

((فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ)) يعني: هؤلاء الذين فرغوا ينصرفون إلى مقابلة العدو للحراسة.

((وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ)) الطائفة الأخرى التي هي واقفة في اتجاه العدو تأتي لتصلي ركعتها الأولى معك، والتي هي بالنسبة للإمام تكون الثانية، فإذا جلست منتظراً قاموا إلى ثانيتهم وأتموها ثم جلسوا ليسلموا معك.

في الأولى يطيل الإمام القيام إلى أن تفرغ الأولى من إتمام صلاتها بالإتيان بالركعة الثانية، وتحلق به الثانية.

كذلك الإمام سوف يجلس للتشهد والمجموعة الثانية تكون بقي عليها ركعة، فينتظر جالساً إلى أن يفرغوا هم من الركعة الثانية ثم يدركوه في الجلوس ويسلموا معه.

ولم يبين في الآية الكريمة حال الركعة الرابعة الباقية لكل من الطائفتين؛ اكتفاءً ببيانه صلى الله عليه وسلم لهم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام بين ذلك بياناً شافياً كافياً في الأحاديث.

((وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ)) يعني: تيقظهم؛ لأن العدو يظن أن المسلمين قائمون في الحرب، في أثناء الركعة الأولى، فهو سيتصور أنهم جميعاً واقفون مستعدون للحرب، فإذا قاموا إلى الثانية فمجموعة سوف تسجد ومجموعة تقوم، هنا سيفهم العدو أنهم الآن في الصلاة، وقد ينتهز الفرصة في الهجوم عليهم، فلذلك خص هذا الموضوع بزيادة التحذير فقال تبارك وتعالى: ((وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) وكرر هذا المعنى من قبل حيث قال: ((وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) وهنا قال: ((وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ)).

ثم جاء بمزيد من البيان حيث قال: ((وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً)) هنا كأنه شيء حسي كالآلة سيؤخذ والإنسان يمسكه كما يمسك السلاح ((وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ)).

قال الواحدي: فيه رخصة للخائف في الصلاة بأن يجعل بعض فكره في غير الصلاة.

وقال أبو السعود: وتكليف كل من الطائفتين بما ذكر لما أن الاشتغال في الصلاة مظنة لإلقاء السلاح والإعراض عن غيرها، ومظنة لهجوم العدو، كما ينطق به قوله تعالى: ((وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي: تمنوا، ((لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ)) أي: حوائجكم التي بها ((فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً)) أي: يحملون حملة واحدة فيقتلونكم، فهذا هو سبب الأمر بأخذ السلاح، والأمر بذلك للوجوب.

ثم قال تعالى: ((وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ)) أي: لا حرج ولا إثم عليكم.

((إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ)) أي: إذا كان في حالة مطر يثقل معها حمل السلاح.

((أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى)) يثقل عليكم حمله بسبب المرض ((أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ)).

أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نزلت ((إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى)) في عبد الرحمن بن عوف كان جريحاً).

ثم أمروا مع ذلك بالتيقظ والاحتياط فقيل: ((وَخُذُوا حِذْرَكُمْ)) لئلا يهجم عليكم العدو غيلة.

((إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا)) أي: عذاباً شديداً يهانون به، وهذا تعليل للأمر بأخذ الحذر، أي: أعد لهم عذاباً مهيناً بأن يخذلهم وينصركم عليهم، فاهتموا بأموركم ولا تهملوا في مباشرة الأسباب كي يحل بهم عذابه بأيديكم.

وقيل: لما كان الأمر بالحذر من العدو موهماً لتوقع غلبته واعتزازه نفى ذلك الإيهام بأن الله تعالى ينصرهم ويقيهم عدوهم لتقوى قلوبهم.

تكرر في الآية التحذير: ((وَخُذُوا حِذْرَكُمْ)((وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)((فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً))، كثرة التحذير قد يوقع في قلوب بعض المؤمنين أن الكفار قد ينتصرون عليهم أو قد ينالون منهم، أو أن غلبتهم متوقعة، فلما وجد هذا الاحتمال نفى الله سبحانه وتعالى ذلك الإيهام، وذلك بأن الله تعالى هو الذي ينصرهم وأنه سيقيهم عدوهم، ((إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا)).

ومن أسباب تعذيب الكافرين أن الله يعذبهم بأيدي المؤمنين، {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة:١٤]، فهذا العذاب المهين ليس فقط في الآخرة لكنه سيكون على أيديكم، فلا تهملوا في الأخذ بالأسباب والاحتياط وأخذ الحذر والسلاح.