ولما حقر الحياة الحسية النفسية الفانية وصورها في صورة الحقراء السريعة الانقباض دعا إلى الحياة الباقية، فقال عز وجل:{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}[الحديد:٢١]، أي: بادروا بالتوبة من ذنوبكم إلى نيل مغفرة وتجاوز عن خطيئاتكم من ربكم.
والعلماء يقولون: إن تأخير التوبة ذنب يجب التوبة منه، فالتوبة تجب على الإنسان في كل لحظة، وفي كل نفس، بل الإنسان مطالب بها في الحال، وقد دلت على ذلك نصوص كثيرة من القرآن والسنة كلها تحث على المسارعة والمبادرة والمسابقة إلى التوبة، فقال هنا:((سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ))، وقال:{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطففين:٢٦]، وقال تبارك وتعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:١٣٣]، وقال:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الذاريات:٥٠].
إذاً: لا ينبغي تأخير وتسويف التوبة، كقول الإنسان: سوف أتوب، وسوف أصلي، ومن أول يوم السبت سأفعل كذا، أو يقول: سوف أعتمر عمرة أو أحج ومن بعدها سأستقيم، أو نحو ذلك.
فينبغي أن يشاع بين الناس هذا المعنى، وهو أن تأخير التوبة في حد ذاته ذنب جديد، يجب التوبة منه على الفور، وهذه هي عبارة الإمام ابن القيم في مدارج السالكين في الجزء الأول حينما فصل في أحكام التوبة حيث قال: تأخير التوبة أو تسويف التوبة ذنب يجب التوبة منه.
وقوله:((أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ)) يعني: الإيمان اليقيني، ((ذَلِكَ)) يعني: المغفرة والجنة، ((فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ)) أي: ممن كان أهلاً له.
((وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)) أي: بما بسط لخلقه من الرزق في الدنيا، ووهب لهم من النعم، وعرفهم موضع الشكر، ثم جزاهم في الآخرة على الطاعة ما وصف أنه أعده لهم.