قوله:((وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ))، أي: لا يعب بعضكم على بعض ولا يطعن فيه، وهذه عبارة عن بعض آخر من جنس المخاطبين وهم المؤمنون، فجعل ما هو من جنسهم بمنزلة أنفسهم.
وهذا ما نبهنا عليه مراراً: أن الله سبحانه وتعالى يعبر عن الإخوة في الله بلفظ النفس، فإخوانك المؤمنون حتى وإن كانوا غير موجودين معك الآن فإنه يطلق عليهم لفظ (أنفسهم).
فهذا له نظائر كثيرة في القرآن، منها: قول الله سبحانه وتعالى: {رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ}[التوبة:١٢٨]، أي: منكم، وقال تبارك وتعالى:{وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ}[النساء:٢٩]، يعني: إخوانكم، كذلك هنا:((وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ))، أي: إخوانكم، وقوله تعالى:{لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا}[النور:١٢] يعني: بإخوانهم، فهذا مما يعبر به عن رابطة الأخوة في الله.
فقيل: إن معنى الآية: ((وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ)) لا تلمزوا إخوانكم المؤمنين، أو يكون المعنى: لا تفعلوا ما تلمزون به، فإن من فعل ما استحق به الذم فقد لمز نفسه، والمراد: لا ترتكبوا أمراً تعابون به، وانتقد هذا الرأي بأنه بعيد من السياق، وغير مناسب لقوله تعالى:((وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ))؛ لأن التنابز يكون من مجموعة لمجموعة أو شخص لشخص، فنسق الخطاب واحد، فأتت هذه الآية.
أي: ذكر الله تبارك وتعالى: ((وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ))، والأنسب للسياق أن يكون المعنى: لا تلمزوا إخوانكم ولا تنابزوا أيضاً فيما بينكم بالألقاب.
وقد يكون معنى قوله تعالى:((وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ))، أي: لا تتسببوا إلى الطعن فيكم بالطعن على غيركم، كما يقول بعض الناس:(من كان بيته من زجاج فلا يقذف الناس بالحجارة)، وكما في الحديث:(من الكبائر أن يشتم الرجل والديه)، فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه إذا شتم والدي غيره شتم الغير والديه أيضاً.
فالمقصود على هذا من قوله:((وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ))، أي: لا تلمزوا الناس فيلمزوكم فتكونوا في حكم من لمز نفسه؛ لأنكم الذين سلكتم هذا اللمز.
يقول الشنقيطي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: ((وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ))، أي: لا يلمز أحدكم أخاه، وقد توعد الله جل وعلا الذين يلمزون الناس في قوله:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}[الهمزة:١]، والهمزة: كثير الهمز للناس، واللمزة: كثير اللمز.
قال بعض العلماء: الهمز يكون بالفعل، كالغمز بالعين احتقاراً وازدراءً، واللمز يكون باللسان فتدخل فيه الغيبة، وقد صرح الله تعالى بالنهي عن ذلك في قوله عز وجل:((وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا))، ونفر عنه غاية التنفير في قوله تعالى:((أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ))، فيجب على المسلم أن يتباعد كل التباعد من الوقوع في عرض أخيه.