[تفسير قوله تعالى:(يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك)]
نشرع في تفسير سورة التحريم، وهي السورة الثالثة والستون، وهي مدنية، وآيها اثنتا عشرة آية.
يقول الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[التحريم:١].
قوله تعالى:((يا أيها النبي)) ناداه بالنبوة تعظيماً له صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه من مظاهر تعظيم الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، حيث إنه ما ناداه باسمه قط، فلا توجد آية في القرآن فيها: يا محمد! في حين نودي غيره بالاسم: يا آدم، يا موسى، يا نوح، يا عيسى، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فما ناداه الله إلا بوصفه؛ تعظيماً لجنابه صلى الله عليه وسلم، ودلالة على أنه سيد الأولين والآخرين.
وناداه ليقبل إليه بالكلية، ويدبر عن كل ما سواه من الأزواج وغيرهن، وعبر عنه بالمبهم إشعاراً منه بأنه الذي نبئ بأسرار التحليل والتحريم الإلهي.
قوله:((لم تحرم ما أحل الله لك)) ليس المراد بالتحريم هنا اعتقاد الحلال حراماً، ولكن المقصود امتناعه من الحلال وحظره إياه على نفسه، وهذا المقدار مباح ليس في ارتكابه جناح.
يعني: لو أن شخصاً منع نفسه من طعام معين لسبب من الأسباب، أو حلف ألا يأكل هذا الطعام وهو لا يعتقد أن هذا الطعام حرام فلا بأس.
إذاً: المقصود بالتحريم هنا أنه منع الطعام على نفسه وليس بقصد أنه صار حراماً، لأن تحليل الحرام وتحريم الحلال من الأمور المكفرة، فالخمر مثلاً من استحله واعتقد أنه حلال فإنه يصير كافراً بذلك قطعاً.
فمعنى:((لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ)) لم تمتنع عن شيء أحله الله لك لترضي أزواجك؟ وهذا القدر مباح ليس في ارتكابه جناح، وإنما قال عز وجل له:((لم تحرم ما أحل الله لك)) رفقاً به وشفقة عليه، وتمييزاً لقدره ومنصبه صلى الله عليه وسلم أن يراعي مرضاة أزواجه بما يشق عليه، فهذاً جرياً على ما ألف من نصح الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ ليظهر الله كمال نبوته.