وتوجد قراءة غريبة وهي:(وأتموا الحج والعمرةُ لله)، فمن قرأها ذهب إلى عدم وجوب العمرة، فقال: إنما الأمر متوجه إلى الحج؛ لكن القراءة المعروفة:((وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ)) وقد استدل بها بعض العلماء على وجوب الحج والعمرة.
إذاً:(أتموا) من الإتمام، وذلك بتأديتهما تامتين بجميع مناسكهما المشروعة، لوجه الله تبارك وتعالى، أو يكون المقصود:((وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)) يعني: أن الإنسان إذا شرع في الحج أو العمرة ولو تطوعاً يجب عليه إتمامه، ولا يقطع الأداء كما قال تبارك تعالى:{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}[محمد:٣٣]، فمن شرع في عبادة لزمه إتمامها، إذا كانت عبادة واجبة، أما أعمال التطوع لا يلزمه إتمامها إلا الحج والعمرة لهذه الآية:((وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ)).
وهذه الآية اختلف العلماء فيها هل هي دليل على فرضية الحج أم لا، فمن قال: إنها دليل على فرضية الحج فإنه يفسر (أتموا) بمعنى: أدوا الحج والعمرة لله، فتكون مثل قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران:٩٧].
وفريق آخر قالوا: هذه الآية ليست دليلاً على فرضية الحج، فإنها نزلت سنة خمس من الهجرة، والحج فرض بقوله تبارك وتعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران:٩٧] وذلك في سنة تسع من الهجرة، وأجاب عن هذه الآية بأنها لا علاقة لها بموضوع الفرضية، وإنما هي توجب إتمامهما بعد الشروع فيهما فقط، ولا علاقة لها بفرضية الحج.
قال الراغب:(أتموا) خطاب لمن خرج حاجاً أو معتمراً، فأمر ألا يصرف وجهه حتى يتمهما، وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله تعالى، واحتج به في وجوب إتمام كل عبادة دخل الإنسان فيها متنفلاً، وأنه متى أبطلها وجب قضاؤها، وقيل: إنه خطاب لهم ولمن لم يتلبس بالعبادة، وذكر لفظ الإتمام تنبيه على توفية حقها وإتمام شرائطها كقوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة:١٨٧] وإلى هذا ذهب الشافعي رحمه الله، واحتج به على وجوب العمرة، وإنما قال في الحج والعمرة:(لله) ولم يقل ذلك في الصلاة والزكاة، من أجل أنهم كانوا يتقربون ببعض أفعال الحج والعمرة إلى أصنامهم، فخصهما بالذكر لله تعالى، حثاً على الإخلاص فيهما.