قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: هذه الآية أصل في قتال المسلمين، والعمدة في حرب المتأولين، وعليها عول الصحابة رضي الله عنهم، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة، وإياها عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (تقتل عماراً الفئة الباغية).
فلا شك أنه بمقتل عمار يكون قد حسم الأمر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام وصف الفئة التي تقتل عماراً بأنها هي الفئة الباغية، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في فعل الخوارج:(تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلها أدنى الطائفتين إلى الحق) واضح جداً في أن كلا الطائفتين على حق، لأن أفعل التفضيل تقتضي المشاركة في أصل الصفة، ولكن هناك فئة أولى بالحق من غيرها، وهي فئة علي رضي الله تعالى عنه، وكان الذي قتل الخوارج علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ومن كان معه.
فتقرر عند علماء المسلمين وثبت بدليل الدين أن علياً رضي الله عنه كان إماماً حقاً، وأن كل من خرج عليه باغ، وأن قتاله واجب حتى يفيء إلى الحق وينقاد إلى الصلح؛ لأن عثمان رضي الله تعالى عنه قتل، والصحابة برآء من دمه؛ لأنه منع من قتال من ثار عليه، وقال: لا أكون أول من خلف رسول صلى الله عليه وسلم في أمته بالقتل، فصبر على البلاء، واستسلم للمحنة، وفدى بنفسه الأمة رضي الله تعالى عنه.
ثم لم يمكن ترك الناس سدى، فعرضت على باقي الصحابة الذين ذكرهم عمر في الشورى وتدافعوها، وكان علي رضي الله عنه أحق بها وأهلها، وقبلها حوطة على الأمة أن تسفك دماؤها بالتهارج والباطل، أو يتخرق أمرها إلى ما لا يتحصل، فربما تغير الدين، وانقض عمود الإسلام، فلما بويع له طلب أهل الشام في ترك البيعة التمكن من قتلة عثمان وأخذ القود منهم، فقال لهم علي رضي الله عنه: ادخلوا في البيعة واطلبوا الحق تصلوا إليه، فقالوا: لا تستحق بيعة وقتلة عثمان معك تراهم صباح مساء.
فكان علي في ذلك أسد رأياً وأقرب قيلاً؛ لأن علياً لو تعاطى القود منهم لتعصبت لهم قبائل وصارت حرباً ثالثة، فانتظر بهم أن يستوثق الأمر، وتنعقد البيعة، ويقع الطلب من الأولياء في مجلس الحكم فيجري القضاء بالحق، ولا خلاف بين الأمة أنه يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدى ذلك إلى إثارة الفتنة أو تشتيت الكلمة، وكذلك جرى لـ طلحة والزبير فإنهما ما خلعا علياً من ولاية، ولا اعترضا عليه في ديانة، وإنما رأيا أن البداءة بقتل أصحاب عثمان أولى.