قال تعالى:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد:١٠] أي: طريقي الخير والشر كما قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}[الإنسان:٣]، ومعنى:((هَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)) أي: بينا له ووضحنا له طريق الخير وطريق الشر، والنجد هو الطريق المرتفع، والمراد بهما: طريقا الخير والشر، سماهما نجدين ليشير إلى أن في كل منهما وعورة وصعوبة، فليس الشر بأهون من الخير كما يظن، وكذلك ليشير إلى أنهما واضحان جليان لا يخفى واحد منهما على سالك.
فالله تعالى بين طريق الخير وطريق الشر فهما كالنجدين المرتفعين، والشيء العالي لا ينكره أحد إذا رآه، وقد بين الله الطريقين بما أوحى، فهما طريقان واضحان جليان لا يخفى واحد منهما على سالك في أحد الطريقين، فالعبد يختار أحدهما وهو على بصيرة؛ لأنه طريق غير ملتبس، بل طريق واضح.
وهذه الآية:(وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) يفسرها قوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)، وقيل: أي: أوزعنا في فطرته التمييز بين الخير والشر، وأقمنا له من وجدانه وعقله أعلاماً تدله عليهما، ثم وهبناه الاختيار بعدما بينا له، فعليه أن يختار أي الطريقين شاء، فالذي وهب الإنسان هذه الآلات، وأودع في باطنه تلك القوى؛ لا يمكن للإنسان أن يفلت من قدرته، ولا يجوز أن يخفى عليه شيء من سريرته، فأدوات الإدراك كلها منة من الله سبحانه وتعالى، فإذا كان الله هو الذي أعطاك العينين واللسان والشفتين، وهو الذي هداك النجدين، فكيف تحسب بعد ذلك أن الله لم يطلع عليك حينما أنفقت مالاً لبداً للمباهاة والرياء والتفضل على الناس من غير ابتغاء وجه الله؟! وكيف يحسب أن الله لم ير ما في باطنه من النية الفاسدة والرياء؟! كيف يحسب ذلك والله هو الذي امتن عليه بكل آلات الإدراك، وهو المدبر الحكيم لهذه القوى، والإنسان لا يرى إلا بالله؟! وقول الله سبحانه وتعالى:{وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ}[البلد:٩] هذا اللسان نعمة عظيمة، ولكن هذه الجارحة لها خطورة مهلكة إن لم يحترز صاحبها؛ ولهذا جعل الله أمام اللسان باباً من عظم وهو الأسنان، وباباً من لحم وهو الشفتان؛ كي يستحكم إغلاقه، ولا يخرجه إلا بحساب؛ لخطورة هذا اللسان الذي إذا خرج كان كالثعبان يلدغ خلق الله سبحانه وتعالى.