[معنى قوله تعالى: (قل هي مواقيت للناس)]
قوله تعالى: ((قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ)) يعني: معالم لهم في حل دينهم، فيعتمدون عليها في مواعيد حلول الدين، ولصومهم ولفطرهم وأوقات حجهم، وأجائرهم -يعني الإجارات- وأوقات الحيض، وعدد نسائهم، والشروط التي إلى أجل، فكل هذا مما لا يسهل ضبط أوقاتها إلا عند وقوع الاختلاف في شكل القمر زيادة ونقصاً؛ ولهذا ميزها عن الشمس التي تبقى دائماً على حالة واحدة.
قال بعض المفسرين: ثمرة الآية أن الأحكام الشرعية كالزكاة والعدد للنساء والحمل تتعلق بشهور الأهلة لا بشهور الفرس، أما ما يتعلق بالعقود والأفعال المتعلقة بفعل بني آدم فيتبع فيه العرف من حسابهم بالأهلة أو بشهور الفرس فهذا حكم وذاك حكم آخر.
إذاً: أي فعل علق الله سبحانه وتعالى عمله على زمن معين فهذا يجب الالتزام فيه بالأهلة وليس بالتقويم الشمسي، كالزكاة مثلاً، إذا أراد الإنسان أن يبحث هل حال الحول على زكاته أم لا، فلابد أن ينتبه إلى أن المقصود الحول الهجري وليس الحول الميلادي، فلابد من اعتبار حول السنة الهجرية المعروفة.
كذلك عدد النساء لا تحسب إلا بالشهور الهجرية، كذلك أيضاً الحمل، وغير ذلك، فهذه الأحكام التي لها علاقة بالأحكام الشرعية لابد من الالتزام فيها بالشهور الهلالية، أما العقود التي ينشئها الناس فيما بينهم أو غير ذلك من الأعمال التي لم تربط بأفعال شرعية فهذه يرجع فيها إلى العرف بالأهلة أو بغيرها.
وقد ذكر الله تعالى هذا المعنى في آيات كقوله سبحانه وتعالى: {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس:٥]، وقال تعالى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء:١٢]، آية الليل هي القمر، وآية النهار هي الشمس، {وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [الإسراء:١٢] أي: من غير افتقار إلى مراجعة المنجم وحساب الحاسب رحمة منه تعالى وفضلاً.
وإفراد الحج بالذكر هنا تنويه بشأنه، وتشريف له، وقال القفال: نكتة إفراده -يعني: النكتة في إفراد الحج بالذكر رغم دخوله في عموم ما قبلها- بيان أن الحج مقصور على الأشهر التي عينها الله تعالى لفرضه، وأنه لا يجوز نقل الحج من تلك الأشهر إلى أشهر غيرها كما كانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية.
والجمهور من القراء على فتح الحاء من كلمة (الحج)، والحسن على كسرها في جميع القرآن، وقال سيبويه: هما مصدران كالرد والذكر، وقيل: بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم.
والأهلة جمع هلال، وجمعه باختلاف زمانه، والمقصود هنا جمع هلال بمعنى أنه يختلف في الزمان من وقت إلى آخر، فالهلال غرة القمر إلى ثلاث ليال أو سبع، غرة القمر من أول ما يبدو الهلال من الليلة الأولى إلى ثلاث أو سبع ليال يسمى هلالاً، ثم يسمى بعد ذلك قمراً، وليلة البدر لأربعة عشرة.
قال أبو العباس: سمي الهلال هلالاً؛ لأن الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه، فالإهلال رفع الصوت بالإخبار عن الهلال، وسمي بدراً لمبادرته الشمس بالطلوع كأنه يعجلها المغيب، وسمي بدراً لتمامه وامتلائه، وكل شيء تم فهو بدر.