انفردت هذه السورة بآداب جليلة أدب الله سبحانه وتعالى بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من التوقير والتبجيل، قال بعض العلماء: كانت العرب في جفاء وسوء أدب عند خطابهم للنبي صلى الله عليه وسلم، فالسورة فيها الأمر بمكارم الأخلاق، ورعاية الآداب.
ولما كان إيمانهم إيماناً علياً عظيماً طولبوا بآداب تتناسب مع هذا الإيمان العالي، وإن اغتفر بعضه لغيرهم ممن ليس في درجتهم، يعني: قد يتسامح في ترك بعض هذه الآداب ممن هو دونهم في المرتبة والإيمان؛ لأنه ليس في درجة الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وكما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، فكأنه قد قيل لهم: لا تغفلوا ما منح لكم في التوراة والإنجيل كما في الآيات الأخيرة في سورة الفتح، وبداية هذه السور متناسقة مع خاتمة الفتح ففيها بيان أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم قد مدحهم الله في كتابه، ونصت الكتب السابقة على الفضل والثناء؛ وبسبب استماعهم للنبي صلى الله عليه وسلم؛ وبسبب معيتهم له عليه الصلاة والسلام كما في قوله:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ}[الفتح:٢٩]، فهذا ثناء الله عليهم قبل أن يخلقوا في التوراة، كذلك قال تعالى:{وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ}[الفتح:٢٩] إلى آخر السورة الكريمة، فكأن الله سبحانه وتعالى يقول لهم: لا تغفلوا ما منح لكم في التوراة والإنجيل، فإنه درجة لم ينلها غيركم من الأمم، فقابلوا هذا التشريف وهذا التعظيم بتنزيه أعمالكم عن أن يتوهم في ظواهرها أنها صدرت عن عدم اكتراث في الخطاب، أو سوء خطب في الجواب، وصادقوا بين ظواهركم وبواطنكم، وليكن علنكم منبئاً بسليم سرائركم.