للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (يقول أهلكت مالاً لبداً)

قال تعالى: {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا} [البلد:٦] يعني: يقول الإنسان: أهلكت مالاً كثيراً، (لُبَدًا) من تلبد الشيء إذا اجتمع، كما قال الله: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن:١٩] فسر أنهم كانوا طبقات بعضهم فوق بعض، وكذلك قوله هنا: (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا) يعني: مالاً كثيراً متراكماً بعضه فوق بعض، والمراد هنا: ما أنفقه للافتخار والمباهاة والرياء، فيفتخر بأنه أنفق كثيراً، مثل قول بعض الناس إذا أنفق على شخص: خسرت عليه كذا وكذا يعني: ضحيت بهذا المال الكثير من أجل هذا الشخص، فهذا الإنسان الجحود يتفضل على الناس بالتبذير والإسراف، ويحسبه فضيلة لاحتجابه عن الفضيلة ولجهله، فمن الجواد؟ ومن البخيل؟ الجواد هو: الذي يعطي في موضع العطاء، ويمنع في موضع المنع، والبخيل هو: الذي يمنع في موضع العطاء، فلو أن إنساناً يعطي في غير موضع العطاء، بل لأجل المفاخرة والمباهاة؛ فهذا لا يمدح، ولا يسمى هذا جوداً وكرماً، وإنما هذه سفاهة وإسراف وتبذير، فالإنفاق لا يمدح على الإطلاق، وإنما يمدح الإنفاق إذا أنفق في المحل اللائق به، أما من ينفق ماله سفاهة فهذا لا يمدح، وليس هذا من الكرم ولا من الجود في شيء، مثل هذا الذي يقول: ((أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا)) فأنفق مالاً كثيراً يباهي به الناس، ويتفضل عليهم بالتبذير والإسراف، ويحسب أن هذا الإسراف فضيلة لاحتجابه عن الفضيلة وجهله.