يقول السيوطي في الإكليل: في هذه الآيات تحريم اللمز والسخرية بالمؤمنين.
هكذا جزاء من يلمز ويسخر من المؤمنين، وما أوفر حظ منافقي وزنادقة وملاحدة زماننا من هذا الوعيد في هذه الآيات الكريمة؛ لأنهم لا وظيفة لهم غير السخرية من المؤمنين، بل صار هذا من المقررات التي نحفظها وتتوارد على أسماعنا صباح مساء في جميع أجهزة الإعلام بلا استثناء من وصف الإسلام بالتطرف والإرهاب والرجعية والجمود والهوس، وغير ذلك من هذه الأوصاف التي تنضح بها آنيتهم.
فلا شك أن هؤلاء لهم حظ من قول الله:((الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ))، يأتون بامرأة منقبة ويقولون: إن المنقبات دميمات الخلقة، فهن يسترن قبح خلقتهن، أو يقولون: إن هذه تتحجب؛ لأن أسعار حلاق السيدات ارتفعت، أو أنهن لا يستطعن أن يواكبن زميلاتهن اللائي يلبسن الثياب الثمينة، هذا هو اللمز، ونفس صورته الحية، وكما هو شأن المنافقين دوماً، فنقول: هذا الشبل من هذا الأسد، فهي سنة لا تتغير ولا تتبدل كما قال تبارك وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ}[المطففين:٢٩]، الآن يضحكون علينا بالكاريكاتير وبالتمثيليات والمسرحيات والأغاني والمقالات وكل شيء، {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا}[المطففين:٣٠ - ٣١] أي: رجعوا إلى البيوت {انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ}[المطففين:٣١ - ٣٤].
فالمؤمنون يضحكون عليهم أخيراً ضحكاً يدوم ولا ينقطع، أما هم {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا}[التوبة:٨٢]؛ لأن الضحك مهما طال في الدنيا فالدنيا قليلة، وسوف تفنى، {وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا}[التوبة:٨٢] بكاءً لن ينقطع حينما يخلدون في نار جهنم.
فيحرم أن يلمز الإنسان أو يسخر من المؤمن، خاصة إذا كانت السخرية بسبب الدين، فتراه لا يحقد عليه ولا ينقم عليه إلا بسبب تدينه؛ لأنه ملتح، أو لأنها محجبة، أو لأنه يقرأ القرآن، أو لأنه يحافظ على الصلوات، فكل هذا ينبع من النفاق.