اشتمل نبأ وصية إبراهيم ويعقوب عليهما السلام لبنيهما على دقائق مرغبة في الدين، منها: أنه تعالى لم يقل: وأمر إبراهيم بنيه، وإنما قال تبارك وتعالى:(ووصى بها إبراهيم بنيه) فلفظ الوصية أوكد من الأمر؛ لأن الإنسان يوصي عند الخوف من الموت، كما قال الله:{إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ}[المائدة:١٠٦]، فهي أخطر لحظة في حياة الإنسان، حين ينتقل إلى الدار الآخرة، حين يصدق الكاذب ويتوب المسرف، ففي هذا الوقت -وقت الخوف من حضور الموت- تكون الوصية مخلصة، وبأهم شيء يريد الإنسان أن يتركه لمن يوصيهم، وفي ذلك الوقت يكون احتياط الإنسان لدينه أشد وأتم، لأنه مقبل على الله سبحانه وتعالى، فدل على الاهتمام بالموصى به والتمسك به.
ومنها: أنهما خصصا بنيهما بذلك؛ لأن شفقة الرجل على أبنائه أكثر من شفقته على غيرهم، فلما أوصياهما بذلك في آخر عمرهما علمنا أن اهتمامهما بذلك كان أشد من اهتمامهما بغيره.
ومنها: أنهما عليهما السلام ما مزجا بهذه الوصية وصية أخرى، وما خلطا بالوصية بالتوحيد أي وصية أخرى، لا بمال ولا بشيء من الدنيا، ولا بأي قضية أخرى، وإنما محضا النصح بالتوحيد فقط، فهذا يدل على خطورة مثل هذه الوصية، وشدة الاهتمام بأمر التوحيد، وكان يمكن أن يوصيا أولادهما بأمور أخرى كثيرة مهمة، حتى من قضايا الدين، لكنهما اصطفيا واختارا أهم المهم، وأعلى مطالب الدين، وهو الذي من أجله خلقت السماوات والأرض، ومن أجله خلقت الجنة والنار، وهو توحيد الله تبارك وتعالى، ولم يمزجا الوصية بأي وصية أخرى، لشدة الاهتمام في هذا الموقف الخطير بقضية التوحيد.