قال الله تبارك وتعالى:{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}[الأعلى:٩] وقال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:٥٥] فأمر الله سبحانه وتعالى بالتذكير أمراً مشروطاً فقال: ((إن نفعت الذكرى)) ثم بين في الآيات الأخرى من هم الذين ينتفعون بالذكرى، فقال عز وجل ((وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)) فما أكثر معلومات الإنسان عن أمر معين، لكن يحتاج إلى من يذكره لاسيما في المناسبات التي نحتاج فيها إلى أن نتعاون على البر والتقوى، ومنها أن يذكر بعضنا بعضاً بهذه المناسبة العظيمة التي نحن مقبلون عليها، وهي استقبال شهر رمضان المعظم.
اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الدنيا مزرعةً للآخرة، وأن يجعلها ميداناً للتنافس، وكان من فضل الله تبارك وتعالى أنه يجزي على القليل كثيراً، ويضاعف الحسنات، فمن ثم جعل لعباده مواسم تعظم فيها هذه المضاعفة، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه عز وجل بما أمكنه من وظائف الطاعات، عسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات.
قال الحسن رحمه الله تعالى في قول الله عز وجل:((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان:٦٢]: جعل الليل يخلف النهار، فمن فاته عمل صالح في الليل استطاع أن يستدركه في النهار، ومن فاته شيء في النهار استطاع أن يستدركه بالليل.
يقول الحسن: من عجز بالليل كان له من النهار مستعتب، ومن عجز بالنهار كان له من الليل مستعتب.
ولا شك أن أعظم هذه المواسم المباركة وأجلها شهر رمضان الذي أنزل الله سبحانه وتعالى فيه القرآن، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وأسألك العزيمة على الرشد)، فالعزيمة من أقوى مراتب الإرادات التي يجزم الإنسان عندها ويصمم على أن يمضي العمل.
فمن العزيمة على الرشد أن ينوي الإنسان اغتنام هذه المناسبات المباركة، وخاصةً مناسبة شهر رمضان المعظم، فنحن محتاجون في هذه الأيام إلى العزيمة على الرشد، فندعو الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا العزيمة على الرشد، أعني النية الصادقة والهمة العالية في أن نغتنم هذا الشهر الكريم؛ ليغفر الله لنا، ونرجو من الله أن نبقى أحياء إلى أن يأتي رمضان، فمن يدري منا لعله يكون آخر رمضان في حياته، ومن يدري لعله لا يستقبل رمضان!