[تفسير قوله تعالى: (إن المصدقين والمصدقات)]
يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد:١٨ - ١٩]، أي: لهم ذلك لتصديقهم بجميع أخبار الله وأحكامه، وشهادتهم بحقية جميع ذلك، فكأن الإشارة هنا إلى نوع واحد، فتكون الواو هنا واو العطف، فكأنه إخبار عن الذين آمنوا أنهم هم أنفسهم صديقون وهم أيضاً الشهداء.
يعني: أن المؤمنين يجمعون بين أمرين.
وقوله: ((أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ))، هم صديقون؛ لتصديقهم بجميع أخبار الله وأحكامه.
((وَالشُّهَدَاءُ))، وأيضاً هم أنفسهم الشهداء؛ لشهادتهم بأحقية جميع ذلك، يعني: أحقية أخبار الله وأحكامه.
يقول القاسمي رحمه الله تعالى: وقد جوز في الشهداء وجهان: أحدهما: أن يكون معطوفاً على ما قبله، أخبر عن الذين آمنوا أنهم صديقون شهداء، وهو الظاهر؛ لأن الأصل الوصل لا التفكيك.
فالأصل في الكلام أنه معطوف ومرتبط ببعضه؛ لأننا إذا قلنا بالقول الثاني -كما سيأتي- فيقتضي ذلك تفكيك الكلام، وهذا خلاف الأصل.
إذاً: الوجه الأول في الشهداء: أن يكون معطوفاً على ما قبله، أي: أنه أخبر عن الذين آمنوا أنهم صديقون شهداء، وهو الظاهر؛ لأن الأصل الوصل لا التفكيك.
الوجه الثاني: أن يكون قوله: ((وَالشُّهَدَاءُ)) مبتدأً، وخبره ((لَهُمْ أَجْرُهُمْ)).
والشهداء حينئذ هم الأنبياء الذين يشهدون على قومهم بالتبليغ، أو الذين يشهدون للأنبياء على قومهم؛ لأن الشهداء لهم وظيفة ثانية، أو أن الشهداء هم الذين قتلوا في سبيل الله عز وجل.
واختار الوجه الثاني ابن جرير رحمه الله تعالى.
قال ابن جرير: لأن الإيمان غير موجب في المتعارف للمؤمن اسم شهيد لا بمعنىً غيره، إلا أن يراد به شهيد على ما آمن به وصدقه، فيكون ذلك وجهاً وإن كان فيه بعض البعد.
يعني: أن ابن جرير يرى أن الراجح أن يكون قوله: ((وَالشُّهَدَاءُ)) مبتدأً، ولا تكون الواو واو عطف.
قال: لأن الوصف بمجرد الإيمان لا يستلزم وصف الشهادة، يعني: ليس كل من استحق اسم الإيمان يستحق أن يوصف بأنه شهيد، إلا أن يكون شهيداً على ما آمن به وصدقه، فقوله: ((وَالشُّهَدَاءُ))، يعني: على أن ما آمنوا به هو حق من عند الله تبارك وتعالى، وهذا احتمال، لكن فيه بعض البعد على قول الإمام ابن جرير؛ لأن ذلك ليس بالمعروف من معانيه إذا أطلق بغير وصف، كقوله: {شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:١٤٣]، فهنا أطلق الشهداء بدون وصف.
فتأويل قوله: ((وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ))، أي: والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله، لهم ثواب الله في الآخرة.