أقوال المفسرين في كون الرؤيا سبباً في اصطفاء يوسف عليه السلام
قال أبو السعود: كأن يعقوب عليه السلام أشار بقوله: ((ويعلمك من تأويل الأحاديث)) إلى ما سيقع من يوسف عليه السلام من تعبيره لرؤيا صاحبي السجن، ورؤيا الملك، وكون ذلك ذريعة إلى ما يبلغه الله إليه من الرئاسة العظمى التي عبر عنها بإتمام النعمة، وإنما عرف يعقوب عليه السلام ذلك منه من جهة الوحي؛ لأنه كان نبياً يوحى إليه، فعرف أن الله سبحانه وتعالى كما اصطفاه بأن يرى هذه الرؤيا سوف يصطفيه بإتمام النعمة عليه.
سيكون إتمام النعمة عليه عن طريق علم التعبير، حتى إنه عبر رؤيا صاحبي السجن، الذي كان أحدهما سبباً فيما بعد لمعرفة شأنه في التعبير وأن يستدعى لتعبير رؤيا الملك، ورؤيا الملك كانت سبباً في إتمام نعمة الله عليه في الزيادة كما ذكرنا، وإنما عرف يعقوب عليه السلام ذلك منه من جهة الوحي.
أو أراد كون هذه الخصلة سبباً لظهور أمره عليه السلام على الإطلاق، فيجوز حينئذ أن تكون معرفة يعقوب بطريق الوحي، وإما بطريق التفرس في يوسف عليه السلام، وعن طريق الاستدلال من الشواهد والدلائل والأمارات والمخايل، فإن الغلام النجيب يسهل جداً على من هو صاحب فراسة أن يتنبأ، أو يستكشف ما ينتظر من نبوغه فيما بعد، هذا أمر له نظائر هنا، فكأنه استدل عليه السلام بأن من وفقه الله تعالى لمثل هذه الرؤيا لا بد من توفيقه لتعبيرها وتأويل أمثالها، وتمييز ما هو آفاقي منها مما هو أنفسي، كيف لا وهي تدل على كمال تمكن نفسه عليه السلام في عالم المثال وقوة تصرفاتها فيه، فيكون أقبل لفيضان المعارف المتعلقة بذلك العالم، فمن كان عنده الشفافية حتى يرى مثل هذه الرؤيا فلا بد أن الله سيمن عليه بالوعي والبصيرة حتى يتمكن من تعبير هذه الرؤيا، إن هذا الشأن البديع لا بد أن يكون أنموذجاً لظهور أمر من اتصف به، ومداراً لجريان الأحكام، فإن لكل نبي من الأنبياء عليهم السلام معجزة تظهر بها آثاره وتجري أحكامه.
وقد استدل بهذه الآية الكريمة في قوله تعالى:((كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق)) على أن الجد يطلق عليه اسم الأب، فمن نسب رجلاً إلى جده وقال: يا ابن فلان، فلا يكون قذفاً.