قوله تبارك وتعالى:(من ورائهم جهنم)، وقال تعالى في سورة إبراهيم:{وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ}[إبراهيم:١٥ - ١٦]، والوراء هنا بمعنى أمام على أصح الوجهين.
فقوله:(من ورائهم جهنم) يعني: أمامهم جهنم يصلونها يوم القيامة.
ومن ذلك قوله تعالى:{وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}[الكهف:٧٩]، يعني: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً، كما في قراءة ابن عباس:(وكان أمامهم ملك)، فهل معنى ذلك أن المعنى يختلف للاختلاف في القراءة؟ لا، لكن المقصود أن هذه القراءة تفسيرية، ولهذا نظائر كثيرة، فكان ابن عباس يقرؤها:(وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً)، يريد بذلك تفسير وراءهم بأمامهم.
ومنه قول لبيد: أليس ورائي إن تراخت منيتي لزوم العصا تحنى عليها الأصابع أي: إذا امتد بي العمر حتى صرت شيخاً هرماً، ماذا أتوقع أن يكون؟ ألست أتوقع أن ألزم العصا تحنى عليها الأصابع؟! ويروى أيضاً: أليس ورائي إن تراخت منيتي أدب مع الولدان أزحف كالنسر يشير بذلك إلى حالة الشيخ الهرم.
ومنه قول الشاعر أيضاً: أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا وقول الآخر: ومن ورائك يوم أنت بالغه لا حاضر معجز عنه ولا بادي ومن ورائك أي: أمامك.
(وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه)، وقرئ:(مِنّة)، وقرئ أيضاً:(جميعاً مَنُّهُ) أي: فضل الله وتكرمه تبارك وتعالى.
(إن في ذلك لآيات)، أي: في آيات الله وحججه وأدلته.
(لآيات لقوم يتفكرون) يعتبرون بها.
قال المهايمي: منها: أن ربط بعض العالم بالبعض دليل توحيده، وجعل البعض سبباً لبعض دليل حكمته، وجعل الكل مسخراً للإنسان دليل كمال وجوده، فمن أنكر هذه الآيات ولم يذكره عند النعم استوجب أعظم وجوه الانتقام.