قوله:(وكيف أخاف ما أشركتم) يعني: كيف أخاف معبوداتكم وهي مأمونة الخوف؟! وذلك بعدما وضح أنها لا تقدر على أن تضره، ولا أن تنفعه، ولا تنتصر لنفسها، ولا تستطيع أن تكيده، وتحداهم بهذا الذي قاله من قبل، فبيَّن قائلاً:(وكيف أخاف) أي: كيف يتسنى لي أن أخاف (ما أشركتم) من هذه الآلهة التي هي عاجزة وقاصرة عن أن تضرني وهي مأمولة الخوف؟! وقوله:(ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً) قوله: (ما لم ينزل به) الهاء تعود إلى الإشراك، يعني: ما لم ينزل بإشراكه سلطاناً.
و (سلطاناً) هنا بمعنى: حجة.
وهذا هو المعروف من أن السلطان في القرآن إذا ورد فالمراد به العلم أو الحجة.
فقوله:(ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به) أي: بإشراكه (عليكم سلطاناً) أي: حجة؛ إذ الإشراك لا يصح أن يكون عليه حجة، والمعنى: ما لكم تنكرون عليَّ الأمن في موضع الأمن، ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع أعظم المخوفات وأهولها؟! وكيف تنكرون عليَّ أني آمن من تهديداتكم بأن تنالني آلهتكم بسوء، وهذا هو موضع أمن في الحقيقة؟! لأنها لا تستطيع أن تسوءني، فلذلك أنا آمن وليس في قلبي أي خوف من أن تصيبني هذه الآلهة بأي شر.
وقوله:(وكيف أخاف ما أشركتم) يعني: من معبوداتكم وهي مأمونة الخوف، ولا تستطيع أن تنالني بسوء.
وقوله:(ولا تخافون أنكم) يعني: ولا تنكرون على أنفسكم الأمن مع أنكم تأتون بأعظم موجب من موجبات الخوف والهول، وهو الإشراك.
وقوله:(فأي الفريقين) أي: أي فريقي الموحدين والمشركين (أحق بالأمن) يعني: من أحق بالأمن من لحوق الضرر (إن كنتم تعلمون)؟! أهو الذي يعبد الله سبحانه وتعالى الذي هو النافع الضار الذي وسع كل شيء علماً، والذي يملك مقاليد السموات والأرض وهو القاهر فوق عباده، الذي أوعدهم على الشرك بأشد النكال وأشد العذاب، فهو قادر على أن ينفذ وعيده، أم الذي يعبد هذه الآلهة التي تخوفونني بها وهي لا تملك لنفسها -فضلاً عن غيرها- نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً؟! فلذلك قال:(فأي الفريقين) من الموحدين والمشركين أحق وأجدر وأقدم بالأمن من لحوق الضرر (إن كنتم تعلمون) أي: تعلمون ما يحق أن يخاف منه، أو من أحق بالأمن، أو (إن كنتم تعلمون) يعني: إن كنتم من أولي العلم.
وجواب الشرط محذوف تقديره:(فأخبروني) أو: إن كنتم من أولي العلم فأخبروني.