قوله:(ولقد كذبت رسل من قبلك) في هذا تسليته عليه الصلاة والسلام؛ فإن عموم البلية ربما يهون أمرها بعض التهوين حين تعم، والناس عندهم المثل الذي يقول:(المصيبة إذا عمت طابت)، فالبلاء والعناء حينما ينزل ويشترك فيه الناس يهون عندهم، كما يستشهد لذلك بقول الخنساء: ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي تقول: إن أناساً كثيرين فقدوا إخوانهم، فلو كنت وحدي في هذه المصيبة لما احتملت، ولما واساني أحد، ولقتلت نفسي، ولكنهم كثير، ولكن لا يبكون مثل أخي، ومهما بكوا فإخوانهم أقل من أخي، ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي.
فالمصيبة إذا عمت في الناس تكون آثارها أقل؛ لأن في ذلك نوعاً من المواساة.
ولذلك فهذا النوع من المواساة سيحرم منه أهل النار، كما في قوله تعالى:{وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ}[الزخرف:٣٩] فالآية تبين أن من عقوبتهم أنهم سيحرمون بالشعور الذي ينشأ عن المساواة في البلية بسبب وجود أمثالهم في العذاب، فهذا الشعور نفسه سينزع من قلوبهم، ولن ينفعهم وجود غيرهم معهم في العذاب.
فيقول تعالى:(ولقد كذبت رسل من قبلك)، يواسيه الله سبحانه وتعالى بسنته تعالى فيمن سبقوه من الأنبياء، فإن عموم البلية ربما يهون أمرها بعض التهوين، وفي هذا إرشاد له صلى الله عليه وسلم إلى الاقتداء بمن قبله من الرسل الكرام في الصبر على ما أصابهم من أممهم من فنون الأذية، وفيها وعد ضمني له صلى الله عليه وسلم بمثل ما مُنحوه من النصر، كما كانت عاقبة أمرهم النصر، والعاقبة للمتقين، فكذلك تتضمن هذه الآية وعداً للنبي صلى الله عليه وسلم بالنصر والتمكين.
وقوله:(ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا)، إلى أن جاءت النهاية الحتمية:(حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين) أما كلمات الله فهي مواعيده، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}[الصافات:١٧١ - ١٧٣] وقال أيضاً: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}[المجادلة:٢١].
وقوله:(ولقد جاءك من نبأ المرسلين)، أي: من خبرهم في مصابرة الكفار، وما منحوه من النصر، فلابد من أن نزيل حزنك بإهلاكهم، وليس إمهالهم لإهمالهم، بل هو لجريان سنته تعالى بتحقيق صبر الرسل وشكرهم.