للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)]

قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩] أي: في إيمانهم ومعاهدتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم على الطاعة، فهي مأخوذة من قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:٢٣] أو المقصود بالصادقين: الثلاثة المخلفين أي: كونوا مثلهم في صدقهم وخلوص نيتهم.

وقد اختلف المفسرون في المراد بقوله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين): فقال بعضهم: إنهم النبي وأصحابه الذين ذكروا آنفاً في قوله: ((لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)).

وقال بعضهم: المقصود بها: أبو بكر وعمر، وقد قرئت: (وكونوا مع الصادِقَين) يعني: أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما.

وقول آخر أن المقصود بها: الثلاثة الذين خلفوا؛ لأنهم إنما نجوا بالصدق.

وقول آخر أن المقصود بها: المهاجرين بالذات؛ لأن الله سبحانه وتعالى مدحهم في سورة الحشر فقال عز وجل: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:٨]، ولذلك قالوا: إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه احتج بهذه الآية يوم السقيفة فقال: يا معشر الأنصار! إن الله يقول في كتابه: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) فقالت الأنصار: أنتم هم، يعني: المهاجرون، قال: فإن الله تعالى يقول: (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) فأمركم أن تكونوا معنا، ولم يأمرنا أن نكون معكم، فنحن الأمراء، وأنتم الوزراء.

وهناك قول آخر وهو: أن هذه الآية المقصود بها: أهل الكتاب: (يا أيها الذين آمنوا) بموسى وعيسى (اتقوا الله) في إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، (وكونوا من الصادقين).

وهناك قول بأنها خطاب عام: (وكونوا مع الصادقين): عموماً، وتكون (مع): بمعنى (من)، (وكونوا مع الصادقين) يعني: كونوا من الصادقين.