قوله تعالى:{وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي}[الأحقاف:١٥]، أي: أمهلني، {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}[الأحقاف:١٥]، أي: بالهداية بالتوحيد والعمل بطاعته وغير ذلك، {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}[الأحقاف:١٥] أي: واجعل الصلاح سارياً في ذريتي راسخاً فيهم، ((إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ)) أي: من ذنوبي التي سلفت مني، ((وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) أي: المستسلمين لأمرك ونهيك المنقادين لحكمك.
إذاً: يستحب لمن شرع في الأربعين فما فوقها أن يكثر من هذا الدعاء: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}؛ لأنه إذا بلغ هذه السن فقد بدأ المرحلة الأخيرة من العمر، أو بتعبير آخر يسمونها في الطب العمر المتوسط، وهو السن الذي يبدأ من الأربعين إلى الستين، وما بعد الستين يسمونه الشيخوخة، بخلاف العرب فإنهم يعدون من بلغ الأربعين شيخاً.
وقال بعض السلف: تركت الذنوب حياءً من الناس أربعين سنة، وتركتها حياءً من الله أربعين سنة، وقال بعضهم: إن سن الأربعين هو مصدر لإلهام كثير من الأدباء والشعراء بكثير من المعاني التي تفيض بمساءة من قد اقترب من القبر جداً، ولذلك يقول بعضهم: تمسكت بعد الأربعين ضرورة ولم يبق إلا أن تقوم الصوارخ يعني: لم يبق لي إلا أن أتمسك، ولم يبق إلا أن تقوم الصوارخ عندما يأتيه أجله، فهي السن التي يبدأ الإنسان يترقب فيها حضور أجله، فإن الإنسان في فترات الفحولة والصبا والشباب إذا سلم من الآفات في كل هذه الفترات فهو كالزرع إذا سلم من الآفات في جميع مراحل نموه، لكن مهما نما ومهما سلم فسوف تكون نهايته الحصاد، فلابد أن يحصد حتى وإن سلم فيما مضى من السنين.