روى مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم)، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه.
قال الرسول عليه السلام هذا الحديث أمام أبي هريرة، (منعت العراق درهما وقفيزها) القفيز: مكيال معروف لأهل العراق، (ومنعت الشام مديها ودينارها) المدي: مكيال معروف لأهل الشام، (ومنعت مصر إردبها ودينارها) الإردب: مكيال معروف لأهل مصر.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وفي معنى قوله: منعت العراق وغيرها قولان مشهوران: أحدهما: لإسلامهم، أي: أن هؤلاء يسلمون فتسقط عنهم الجزية، وهذا قد وجد، بعدما كانوا يرسلون الجزية ثم أسلموا فامتنع مجيء هذه الأشياء.
القول الثاني -وهو الأشهر-: أن العجم والروم يستولون على البلاد في آخر الزمان، فيمنعون حصول ذلك للمسلمين، يعني بعدما كانت هذه البلاد تجبى منها الجزية والخراج إلى دار الخلافة، سوف تعود هذه البلاد إلى الوضع الذي تمنع فيه أداء الجزية والخراج، وهذا هو الواقع الآن، وفي ضمن هذا الحديث أن هذه البلاد سوف تفتح حتى تبذل الجزية والخراج.
وروى مسلم عن جابر:(يوشك ألا يجيء إليهم قفيز ولا درهم، قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذلك)، وذكر منع الروم لذلك في الشام، وهذا قد وجد في زماننا في العراق، وقيل: لأنهم يرتدون في آخر الزمان فيمنعون ما لزمهم من الزكاة وغيرها، وقيل: معناه أن الكفار الذين عليهم الجزية تقوى شوكتهم في آخر الزمان فيمتنعون مما كانوا يؤدونه.
وقوله:(وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم) هذه أشارة إلى عودة غربة الإسلام كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ)، فهذا معنى (وعدتم من حيث بدأتم)، وفيه الإخبار بغربة الإسلام من جديد.