[تفسير قوله تعالى: (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد)]
قال تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق:٢٤].
يوجد اختلاف بين العلماء في المراد بقوله تعالى: ((أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ)): قيل: إن الخطاب هنا من الله عز وجل للسائق والشهيد، وهما ملكان، أي: أيها الملكان السائق والشهيد ((أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ)).
وقيل: الخطاب من الله لملكين من خزنة النار.
وقيل: الخطاب لملك واحد، وتثنية الفاعل منزل منزلة تكرير الفعل، فالأصل: ألق ألق، فحذف الفعل الثاني وأبقي ضميره مع الفعل الأول، فصارت (ألقيا) أي: فبقي الضمير للدلالة على ما ذكر.
أو أن الألف بدل من نون التأكيد المخففة كما في قوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق:١٥]، وقوله: {وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:٣٢] وهذه النون تبدل ألفاً في الوقف، فأجري الوصل مجراه.
وقال ابن جرير (أخرج الأمر للقرين وهو بلفظ واحد مخرج خطاب الاثنين، وفي ذلك وجهان من التأويل: أحدهما: أن يكون القرين بمعنى الاثنين كالرسول والاسم الذي يكون بلفظ الواحد في الواحد والتثنية والجمع، فرد قوله: (ألقيا) إلى المعنى.
والثاني: أن يكون كما كان بعض أهل العربية يقول، وهو أن العرب تأمر الواحد والجماعة بما تأمر به الاثنين.
يعني أن العرب أحياناً يخاطبون الواحد والجماعة بخطاب الاثنين، فتقول للرجل: ويلك أرحلاها وازجراها، أي: الناقة مثلاً، ومعنى أرحلاها: أي: ضع عليها الرحل، قال الشاعر: فقلت لصاحبي لا تحبسان بنزع أصوله واجتز شيحا هو يخاطب واحداً لكن بخطاب المثنى.
وقال أبو ثروان: فإن تزجراني يا بن عفان أنزجر وإن تدعاني أحمِ عرضاً ممنعّا وهذا رابع أبيات ثلاثة أولها: تقول ابنة العوفي ليلى ألا ترى إلى ابن كراع لا يزال مفزعا ثم قال بعد ذلك: فإن تزجراني يا بن عفان فواضح أن الخطاب هنا لواحد لكن خوطب بخطاب المثنى.
ولماذا يخاطب العرب أحياناً الواحد والجمع بخطاب المثنى؟ سبب ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة، فجرى كلام الواحد على صاحبيه، فبدلاً مما يخاطب ثلاثة يخاطب واحداً ويشرك الاثنين الآخرين في الخطاب؛ لأن الغالب أن الاثنين بجانب هذا المخاطب، ألا ترى الشعراء أكثر شيء قيلاً: يا صاحبيّ، يا خليليّ.
وخطاب المثنى والمقصود به الواحد كثير في الشعر، مثل قول امرئ القيس: قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل (قفا) مثنى وهو يخاطب واحداً، وكذلك قوله: خليليّ مرا بي على أم جندب نقضِّ لبانات الفؤاد المعذب فقال: (مرا بي) والخطاب لواحد، فهذا كثير نلاحظه في الشعر.
((كل كفار)) الكَفَّار: كل جاحد وحدانية الله تعالى، وما جاء به رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والعنيد المعاند للحق وسبيل الهدى، لا يسمع دليلاً في مقابلة كفره.