ليعلم أن المشركين لما لزمتهم الحجة ببطلان ما كانوا عليه من الشرك بالله وتحريم ما لم يحرمه الله أخبر تعالى عنهم بما سيقولون له من شبهة يتشبثون بها لشركهم وتحريم ما حرموا، فهنا أخبر الله سبحانه وتعالى مقدماً قبل أن يقولوا، أنهم سيقولون ذلك، فهذا من التسليح بالحجج قبل أن تقع مثل هذه المجادلة، فإنهم وقد ألقموا الحجر وقد أبطلت مزاعمهم في كل الآيات السابقة فزعوا إلى حيلة أخرى، أو إلى أسلوب آخر يتنكرون به مما فعلوه من الإشراك، فلما لزمتهم الحجة وبطل ما كانوا عليه من الشرك وتحريم ما لم يحرمه الله أخبر تعالى أنهم بما سيقولونه من شبهة يتشبثون بها لشركهم وتحريم ما حرموا، وفائدة الإخبار بما سوف يقولون له توطين النفس على الجواب، ومكافحتهم بالرد، وإعداد الحجة قبل أوانها، وهذه آخر حيلة عند المشركين.
فقوله:((سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا)) أي: كل شيء بقدر الله، وكل شيء بمشيئة الله، فنحن نشرك، وشركنا هو بإرادة الله.
فأبطل القرآن الكريم شركهم، وأبطل تحريمهم ما أحل الله، فقوله:(سيقول الذين أشركوا) يعني مشركي قريش والعرب (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء)، أي أنهم فزعوا إلى الاحتجاج بالقدر، وقالوا: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا، ولو شاء الله ما حرمنا ما حرمناه أو ما حرمه آباؤنا من البحائر والسوائب والوصيلة والحامي وغير ذلك.
وقوله:(كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا) يعني أنهم ظلوا يقولون ذلك حتى نزل عليهم عذاب الله.
وقوله:(قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا) أي: هل عندكم أمر معلوم يصح الاحتجاج به فيما قلتم فتظهروه لنا؟ وقوله:(إن تتبعون إلا الظن) أي: فيما أنتم عليه من الشرك وتحريم ما حرمتم، (وإن أنتم إلا تخرصون) أي: تكذبون.