[تفسير قوله تعالى:(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا)]
قال تبارك وتعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا}[البقرة:١٩٠]، لما صد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت عام الحديبية، وصالح الكفار على أن يعود العام القادم، ويخلوا له مكة ثلاثة أيام، وتجهز لعمرة القضاء؛ خاف المسلمون ألا تفي قريش بذلك ويقاتلونهم، وكره المسلمون قتالهم في الحرم والإحرام والشهر الحرام؛ فنزلت هذه الآية:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} يعني: لا تتحرجوا عن القتال إذا قاتلكم المشركون أثناء إرادتكم عمرة القضاء، حتى ولو كنتم محرمين، ولو كنتم داخل البلد الحرام، ولو كنتم في الشهر الحرام؛ لأنكم لستم البادئين بهذا العدوان.
((وَلا تَعْتَدُوا)) أي: لا تعتدوا عليهم بابتداء القتال.
{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة:١٩٠] أي: المتجاوزين ما حُد لهم، وهذا منسوخ بآية براءة:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}[التوبة:٣٦]، وبقوله:{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}[البقرة:١٩١] وقد سبق أن تكلمنا بالتفصيل في معنى النسخ هنا، وأنه ليس المقصود به المعنى الاصطلاحي المتأخر، وهو أن يرد دليل شرعي متراخياً عن دليل شرعي آخر مقتضياً خلاف حكمه، ولكن النسخ هنا رفع الإيهام والإبهام يعني: حسب حال المسلمين من القوة والضعف، فإن كانوا في حال قوة وتمكين فإنهم يبدءون المشركين بالقتال، كما قال تعالى:{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة:٥] إلى آخر الآية، وإن كانوا لا يستطيعون إلا الدفاع فيجب عليهم الدفاع، وإن كانوا لا يستطيعون الدفاع فيصبروا ويأخذوا بآيات الإعراض عن المشركين والصفح والصبر على الأذى، وقد سبق أن تكلمنا عن هذا بالتفصيل مراراً.