[معنى صرف الجن إلى النبي]
قوله تبارك تعالى: (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن).
قال الماوردي: في صرف الجن المذكور في قوله تعالى: ((وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ)) وجهان: أحدهما: أنهم صرفوا عن استراق سمع السماء برجوم الشهب، ولم يصرفوا عنه بعد عيسى إلا بعد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما هذا الحادث في السماء إلا لحادث في الأرض، وتخيلوا به تجديد النبوة، فجابوا الأرض حتى وقفوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة عامداً إلى عكاظ وهو يصلي الفجر، فاستمعوا القرآن ورأوه كيف يصلي، ويقتدي به أصحابه، فعلموا أنه لهذا الحادث صرفوا عن استراق السمع برجوم الشهب، وعرفوا أن الوحي ينزل على نبي بعث حديثاً، وأنه لأجل ذلك حرست السماء، وهذا قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وقيل: إن السورة التي كان يقرأ بها هي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:١]، وقيل: إنها سورة الرحمن؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (قرأتها -أي: سورة الرحمن- على الجن ليلة الجن، فكانوا أحسن رداً منكم، كنت كلما قرأت قوله تعالى: ((فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)) [الرحمن:١٣]، كان الجن يقولون: ولا بشيء من نعمك -يا ربنا- نكذبك، لك الحمد).
الوجه الثاني في قوله (وإذ صرفنا إليك): أنهم صرفوا عن بلادهم بالتوفيق هداية من الله تعالى حتى أتوا نبي الله ببطن نخلة، فنزل عليه جبريل في هذه الآية وأخبره بوفود الجن، وأمره بالخروج إليهم، فخرج ومعه ابن مسعود حتى جاء إليهم، قال ابن مسعود: (فخط علي خطاً، وقال: لا تجاوزه).
فعلى الوجه الأول: لم يعلم بهم حتى أتوه، وعلى الوجه الثاني: أعلمه جبرائيل قبل إتيانهم.
واختلف أهل العلم في رؤيته لهم، وقراءته عليهم.
وقوله تعالى: (فلما حضروه قالوا أنصتوا)، لما حضروا قراءته القرآن قالوا: أنصتوا لسماعه، وهذا أدب منهم.
وقد روى البيهقي عن جابر قال: (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها، ثم قال: ما لي أراكم سكوتاً؟! للجن كانوا أحسن منكم رداً، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:١٣] إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذبك، لك الحمد).
ورواه الترمذي وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير.
قوله تعالى: ((يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ)) دل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامَّ الرسالة إلى الإنس والجن، قال ابن كثير: لأنه دعا الجن إلى الله تعالى، وقرأ عليهم السورة التي فيها تقابل الفريقين، أي: قرأ عليهم سورة الرحمن، وسورة الرحمن فيها خطاب للجن والأنس، وفيها تكليفهم ووعدهم ووعيدهم؛ ولهذا قالوا: (أجيبوا داعي الله وآمنُوا به).