للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفوائد المستفادة من آيات النهي عن موالاة الكفار]

هناك ثمرات لهذه الآية: أولاً: أنه لا يجوز موالاة اليهود ولا النصارى، قال الحاكم: والمراد موالاتهم في الدين وجعل الزمخشري الموالاة في النصرة والمصافاة، وبين وجوب المجانبة للمخالف للدين.

ثانياً: أن من تولاهم فهو منهم، لا خلاف في أنه صار عاصياً لله عز وجل كما عصوه، لكن ما هو حد معصيته؟ اختلف في ذلك: قيل: معنى قوله: (فإنه منهم) أي: حكمه حكمهم في الكفر.

وهذا حيث يقرهم على دينهم، فكأنه قد رضي، فقوله تعالى: (ومن يتولهم منكم) يعني: حباً في دينهم ورضاً عنهم، وإقراراً لهم على باطلهم فهو يصير كافراً مثلهم.

وقيل: من تولاهم عن تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه منهم.

وقيل: المراد أنه منهم في وجوب عداوته والبراءة منه.

قال الحاكم: ودلالة الآية مجملة، فهي لا تدل على أنه كافر إلا أن يحمل على الموافقة في الدين.

وفي الآية الكريمة زواجر عن موالاة اليهود والنصارى من وجوه: الأول: النهي (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) وسائر الكفار لاحق بهم، فيدخل فيهم من طريق الأولى الشيوعيون، والمجوس عبدة النار، وعبدة البقر، وغير هؤلاء الأصناف من الكفار.

الثاني: قوله تعالى: (بعضهم أولياء بعض) والمعنى أن الموالاة من بعضهم لبعض بسبب اتحادهم في الكفر، وأنتم أعلى منهم، فلا يجوز لكم أن تتساووا معهم؛ لأنكم مرتفعون عليهم بالإيمان.

الثالث: قوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) وهذا تغليظ وتشديد ومبالغة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تتراءى ناراهما).

الرابع: ما أخبر الله به أنه لا يهديهم: (والله لا يهدي القوم الظالمين).

الخامس: وصفهم بالظلم، والمراد: الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفار.

السادس: أنه تعالى أخبر أن الموالاة لهم من ديدن الذين في قلوبهم مرض فقال: (فترى الذين في قلوبهم مرض) يعني: شكاً ونفاقاً.

فهم الذين يقعون في الموالاة، وإلا فلا يمكن أبداً أن تجد في القلب العامر بالتوحيد وبحب الله ورسوله ميلاً أو موالاة لأعداء الله، ولذلك قال عز وجل: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ} [المجادلة:٢٢] إلى آخر الآية الكريمة.

فمما لا يمكن أن يقع أبداً، أن يكون قلب فيه إيمان ثم يقع صاحبه في موالاة الكفار، بل لا يقع هذا إلا ممن يزعم الإسلام وفي قلبه مرض النفاق والشك والعياذ بالله! وأيضاً: أخبر الله عز وجل عن علة موالاة الموالين لهم -وهي: خشية الدوائر- فقال: (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) فإذاً: علة الموالاة ليست بإذن وإباحة من الله سبحانه وتعالى، وإنما لعلة أخرى، وهي أنهم يخشون أن تصيبهم دائرة.

الثامن: قَطْعُ الله لما زينه لهم الشيطان من خشية رجوع دولة الكفر، أي: أن الله سبحانه وتعالى أبطل عذرهم في قولهم: (نخشى أن تصيبنا دائرة) أبطل هذه العلة بقوله: (فعسى الله أن يأتي بالفتح) و (عسى) في حق الله تعالى واجبة الحصول بالفتح لمكة أو لبلاد الشرك.

وقد كان أن فتح الله عز وجل مكة، وفتحت آفاق الأرض من أقصاها إلى أقصاها في عهد الخلافة الإسلامية.

التاسع: ما بشر الله تعالى به من إهانتهم بقوله عز وجل: (أو أمر من عنده) قيل: إذلال الشرك بالجزية.

وقيل: قتل بني قريظة وإجلاء بني النظير.

وقيل: أن يُوِّرث المسلمين أرضهم وديارهم.

العاشر: ما ذكره تعالى من الأمر الذي يئول إليه حالهم، وأنهم يصبحون نادمين على ما أصروا في أنفسهم، فهذه عاقبة الموالاة، فكل هذا من وجوه التنفير من هذه الموالاة؛ لأنهم غشوا المسلمين، ونصحوا للكافرين، وقيل: من نفاقهم.

وقيل: من معاقبتهم للكفار.

وذلك حين معاناتهم للعذاب، وقيل: في الدنيا نادمين بما صاروا فيه من الذلة والصغار.

الحادي عشر: ما ذكره تعالى من تعجب المؤمنين من فضيحة أعداء الله، وخبثهم في أيمانهم، في قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [المائدة:٥٣] إلى آخر الآية.

الثاني عشر: ما أخبر الله من حالهم بقوله: (حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين) قيل: خسروا حظهم من موالاتهم.

وقيل: أهلكوا أنفسهم.

وقيل: خسروا ثواب الله عز وجل.