هل تتغلظ الكفارة بالمسيس قبل التكفير؟ قلنا: إن العود له مبدأ وله منتهى، فالأدنى هو العزم، فإذا عزم على العود وأراد أن يعود ففي هذه الحالة يجب عليه أن يكفر.
وإذا ارتكب الحد الأقصى وهو أنه عاد بالفعل بالمسيس قبل أن يكفر؛ ففيه الآتي: ذهب أبو حنيفة إلى أن المظاهر إذا جامع زوجته قبل أن يكفر أثم وعصى الله، وتسقط عنه الكفارة لفوات وقتها.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه أثم وعصى ويستغفر ويتوب، ويمسك عن زوجته حتى يكفر كفارة واحدة.
ومعنى:((ثُمَّ يَعُودُونَ)) عند الإمام أحمد كما قلنا: يعود إلى الوطء أو إلى العزم عليه؛ فإن ظاهر وجامع قبل التكفير لزمه الكف عن المسيس مرة أخرى حتى يكفر، ويلزم من هذا جواز الجماع الأول قبل التكفير، فهذا الواضح في قوله:((مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا))؛ لأن الآية على هذا القول إنما بينت حكم ما إذا وقع الجماع قبل التكفير، وأن وجوب التكفير قبل مسيس آخر، ففي هذه الحالة إذا حصل المسيس قبل التكفير فيجب عليه أن يتوقف عن هذا المسيس إلى أن يكفر.
قال الجصاص: إن الظهار لا يوجب كفارة وإنما يوجب تحريم الوطء، ولا يرتفع التحريم إلا بالكفارة، فإذا لم يرد وطأها فلا كفارة عليه، وإن ماتت أو عاشت فلا شيء عليه، إذ كان حكم الظهار أيام التحريم مؤقتاً بأداء الكفارة، وأنه متى لم يكفر فالوطء محظور عليه، فإن وطئ سقط الظهار والكفارة، وذلك لأنه علق حكم الظهار وما أوجب به من الكفارة بأدائها قبل الوقت لقوله:((مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا))، فمتى وقع المسيس فقد فات الشرط فلا تجب الكفارة؛ لأن كل فرض محصور بوقت أو معلق على شرط، فإنه متى فات الوقت وعدم الشرط لم يجب باللفظ الأول، واحتيج إلى دلالة أخرى في الإيجاب مثله في الوقت الثاني.
فهذا حكم الظهار إذا وقع المسيس قبل التكفير، إلا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً ظاهر من امرأته فوطئها قبل التكفير، ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:(استغفر الله، ولا تعد حتى تكفر)، فصار التحريم الذي بعد الوطء واجباً بالسنة، وهذا رواه ابن ماجة والنسائي والدارقطني والترمذي وأبو داود.
والظاهر والله تعالى أعلم أن مذهب الجمهور هو الصحيح، وأنه يأثم بهذا الفعل، وأنه تجب عليه كفارة واحدة.