أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يبكتهم بما لا سبيل لهم إلى إنكاره، وذلك ببيان أنهم إذا نزلت بهم شدة فإنهم يفزعون إليه تعالى لا إلى الأصنام، فقال عز وجل:{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[الأنعام:٤٠].
قوله:(قل أرأيتكم) أي: أخبروني (إن أتاكم عذاب الله) يعني: مثل ما نزل بالأمم الماضية الكافرة من قبلكم (أو أتتكم الساعة) أي: القيامة (أغير الله تدعون) يعني: في كشف العذاب عنكم.
وهذا محط التبكيت، يعني: أتخصون آلهتكم بالدعوة لرفع تلك الشدة؟! بل هل تدعونها مع الله أيضاً؟! وقوله:(إن كنتم صادقين) هذا كاشف عن كذبهم، أي: أخبروني إن كنتم صادقين.
فالحقيقة جاءت في الآية الثانية:{بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ}[الأنعام:٤٠ - ٤١] ولم يقل: بل تدعونه وإنما قال: (بل إياه) يعني: أنكم تخصونه سبحانه وتعالى بالدعوة.
وقوله:((فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ)) يعني: إن شاء كشفه.
والتقييد بالمشيئة هو لبيان أن إجابتهم غير مطردة، أي: أن إنجاءهم من هذه الكربات إنما يكون بمشيئة الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإنجاء وعدم الإنجاء ينبني على حِكَم يستأثر الله سبحانه وتعالى بعلمها، فإن كانت الحكمة تقتضي إنجاءهم أنجاهم، وإلا أهلكم.
وقوله:(وتنسون ما تشركون) أي: تتركون ما تشركون فالنسيان هنا بمعنى الترك، فقوله:(تنسون) يعني: تتركون وتعرضون عن الآلهة والأصنام، وتمحضون الدعوة لله سبحانه وتعالى، فتتركون ما تشركون تركاً كلياً؛ لأنكم في هذا الوقت -وقت الشدة- تعلمون أنها لا تضر ولا تنفع.