[وجوب التمييز بين حقوق الله وحقوق النبي صلى الله عليه وسلم]
ثم يذكر المسألة الثانية ويقول: وهي من أهم المسائل: اعلم أنه يجب على كل إنسان أن يميز بين حقوق الله تعالى التي هي من خصائص ربوبيته التي لا يجوز صرفها لغيره، وبين حقوق خلقه كحق النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليضع كل شيء في موضعه على ضوء ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا القرآن العظيم والسنة الصحيحة.
وإذا عرفت ذلك فاعلم أن من الحقوق الخاصة بالله التي هي من خصائص ربوبيته التجاء عبده إليه إذا دهمته الكروب التي لا يقدر على كشفها إلا الله سبحانه وتعالى، فالتجاء المضطر الذي أحاطت به الكروب، ودهمته الدواهي، لا يجوز إلا لله وحده؛ لأنه من خصائص الربوبية، فصرف ذلك الحق لله، وإخلاصه له هو عين طاعة الله ومرضاته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ومرضاته، وهو عين التوقير والتعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أعظم أنواع توقيره وتعظيمه هو اتباعه والاقتداء به في إخلاص التوحيد والعبادة له وحده جل وعلا.
فبعض الناس تسول له نفسه أن يغالي ويفرط في تعظيم النبي عليه الصلاة والسلام إلى حد يوقعه في الشرك، ويظنون أن حبهم للنبي عليه الصلاة والسلام وإرادة تعظيمه تشفع لهم في ذلك، فالرسول عليه الصلاة والسلام من أراد أن يمدحه فليمدحه بالعبودية؛ لأن سر ارتفاع مقام النبي عليه الصلاة والسلام عن العالمين أجمعين ما هو إلا إمعانه في تحقيق العبودية، والعبودية هي غاية الحب مع غاية الذل، فما ارتفع عند الله إلا لأنه بلغ غاية الذل وغاية الحب لله عز وجل التي لا يصل إليها أحد على الإطلاق، وقد قال عليه الصلاة والسلام:(من تواضع لله رفعه الله)، فهو كان أشد الناس تواضعاً لله، وهذا هو سر رفعة النبي عليه الصلاة والسلام.
فبعض الناس قد يظن لجهله أنه إذا مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمديح فيه غلو أنه تشفع له هذه المحبة، حتى لو كان هذا الأمر مما لا يجوز أن يصرف إلا لله، انظر مثلاً إلى قول البوصيري في البردة: يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم وقول بعضهم: محمد زينة الدنيا وبهجتها محمد كاشف الغمات والظلم هل هذا حق؟ كلا، هذه من خصائص الربوبية التي لا تُصرف إلا لله عز وجل.
والرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا سمع بعض الناس يخطئ في بعض العبارات يغضب غضباً شديداً، كقول الرجل مثلاً: ما شاء الله وشئت، فغضب وقال:(أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده).