للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دخول الناس في الإسلام بعد صلح الحديبية]

في رواية الزهري: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً حتى إذا كان بين مكة والمدينة، نزلت سورة الفتح، قال الزهري: فما فتح في الإسلام قبله كان أعظم من فتح الحديبية، إنما كان القتال حيث التقى الناس، ولما كانت الهدنة، ووضعت الحرب، وأمن الناس؛ كلم بعضهم بعضاً، والتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئاً في تلك المدة إلا دخل فيه.

فهذا هو معنى كون صلح الحديبية فتحاً حقاً وصدقاً؛ لأن السيوف توقفت، وبالتالي بدأ إعمال العقول، وبدأ التفكير، وانطفأت حمية الجاهلية، يقول الإمام الزهري: فما في الإسلام فتح قبله كان أعظم من فتح الحديبية، إنما كان القتال حيث التقى الناس، ولما كانت الهدنة ووضعت الحرب، وأمن الناس، كلم بعضهم بعضاً، والتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئاً في تلك المدة إلا دخل فيه.

يعني: ما وجهت الدعوة في خلال تلك الفترة لأحد عنده شيء من العقل حتى لو كان عقله ضعيفاً، لكن عنده شيء من العقل إلا استجاب، فما بالك بمن عنده عقل وافر؟! يقول: لم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئاً في تلك المدة إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر.

يعني: تضاعف عدد المسلمين في خلال سنتين، فصلح الحديبية كان سنة من الهجرة، فهو يقصد بتينك السنتين: مدة الصلح، فقد كانت سنتين فقط؛ لأن المشركين نقضوه بعد مرور سنتين، وهم اتفقوا على مدة عشر سنين، لكن حصل أنهم نقضوا العهد، فبالتالي حصل فتح مكة بعد سنتين في سنة ٨ من الهجرة، فالإشارة إلى أن الواقع أن هذا الصلح استمر سنتين فقط؛ لأن المشركين نقضوا العهد وغدروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأحلافه، هذا هو المقصود.

يقول هنا: ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر.

يعني: من صناديد قريش.

ومما ظهر من مصلحة الصلح المذكور غير ما ذكره الزهري أنه كان مقدمة بين يدي الفتح الأعظم الذي دخل الناس عقبه في دين الله أفواجاً، وكانت الهدنة مفتاحاً لذلك، ولما كانت قصة الحديبية مقدمة للفتح سميت فتحاً -كما سيأتي في المغازي-؛ فإن الفتح في اللغة فتح المغلق، والصلح كان مغلقاً حتى فتحه الله، وكان من أسباب فتحه صد المسلمين عن البيت، يعني: هذا الصلح كان في الظاهر شراً لكنه في الحقيقة كان خيراً عند النظر للعاقبة.

قال: وكان في الصورة الظاهرة ضيماً للمسلمين، وفي الصورة الباطنة عزاً لهم، فإن الناس لأجل الأمن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم ببعض من غير نكير، وأسمع المسلمون المشركين القرآن، وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين، وكانوا قبل ذلك لا يتكلمون عندهم بذلك إلا خفية، وظهر من كان يخفي إسلامه، فذل المشركون من حيث أرادوا العزة، وأقهروا من حيث أرادوا الغلبة!