[تفسير قوله تعالى: (أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر)]
يقول تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:٤١].
قوله تعالى: (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون) يعني: لا يحزنك صنع الذين يسارعون في الكفر ويقعون فيه بسرعة.
يعني: يظهرونه إذا وجدوا فرصة ولا يؤجلونه، فيسارعون في إظهار الكفر والجهر به، ولا يتأجلون ذلك ما وجدوا فرصة.
(من الذين قالوا) هذه للبيان (آمنا بأفواههم) يعني: بألسنتهم.
فهذا متعلق بقوله تعالى: (قالوا) فالقول لا يكون بكل الأفواه، وإنما هو بالألسنة.
(من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) وهم المنافقون.
(ومن الذين هادوا سماعون للكذب) يعني: ومن الذين هادوا قوم سماعون للكذب الذي اقترفه أحبارهم، سماعون يقبلون هذا الكذب الذي افتروه.
(سماعون لقوم آخرين) أي: سماعون منك لقوم آخرين، أي: لأجل قوم آخرين من اليهود.
(لم يأتوك) وهم أهل خيبر، زنى منهم محصنان فكرهوا رجمهما، فبعثوا قريظة ليسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكمهما.
(سماعون لقوم آخرين لم يأتوك) أي: يسمعون منك لأجل قوم آخرين هم اليهود (يحرفون الكلم) يعني الذي في التوراة، كآية الرجم (من بعد مواضعه) يعني: التي وضعه الله عليها، والمقصود: يبدلونه.
(يقولون) يعني: يقولون لهؤلاء الذين أرسلوهم (إن أوتيتم هذا فخذوه) أي: إن أوتيتم هذا الحكم المحرف وهو الجلد؛ لأنهم بدلوا الرجم بالجلد، أي: إن أفتاكم به محمد صلى الله عليه وسلم فاقبلوه.
(وإن لم تؤتوه) إن لم يفتكم بالجلد وأتاكم بخلافه (فاحذروا) أي: احذروا أن تقبلوه.
(ومن يرد الله فتنته) أي: إضلاله (فلن تملك له من الله شيئاً) أي: تثبيته.
(أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم) يعني: من الكفر، ولو أراده لكان، لكن الله سبحانه وتعالى لم يرد أن يطهر قلوبهم من هذا الكفر.
(لهم في الدنيا خزي) أي: ذل بالفضيحة والجزية (ولهم في الآخرة عذاب عظيم) أي: هو عذاب النار.