وقوله:((اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ)) أي: الله هو المطلع على قلوبهن لا أنتم، فهذا لا يدخل تحت قدرتكم، وإنما يكفيكم قرائن الإيمان وأماراته، كأن تأتي بالشهادتين، وتجيب ما يوجه إليها من السؤال.
وهذا هو الذي ينبغي أن نعتمده في الحكم على إيمان الناس، فيقبل من الناس الظواهر والله سبحانه وتعالى يتولى السرائر، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:(أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله)، فالشاهد في قوله:(وحسابهم على الله) يعني: حسابهم في الآخرة، فنقبل منهم الظاهر، وأما هل هم صادقون في ذلك أم لا؟ فهذا أمره إلى الله سبحانه وتعالى.
فالنبي نفسه عليه الصلاة والسلام لا يملك ذلك، فيقول في الحديث:(إني لم أومر أن أنقب عما في قلوب الناس ولا أن أشق بطونهم، وإنما نقبل من الناس ظاهرهم)، هذه هي معاملة العبيد للعبيد، وقد تجد بعض العباد يصرون على أن يعاملوا الآخرين معاملة الرب للعبد، وهي التفتيش عما في قلوبهم، وهذا خطأ، فإن هذه المعاملة هي معاملة الرب للعبد، ولذلك جاء في موطأ مالك بن أنس رحمه الله تعالى عن المسيح عليه السلام أنه قال: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله عز وجل فتقسو قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، ولكن انظروا فيها كأنكم عبيد، إنما الناس رجلان: مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية.
فيحذر الإنسان أن يتعامل مع الآخرين معاملة الرب للعبد، بل عليه أن يعامل العبد كعبد مثله، فيكتفي منه بما يظهره، ولا يفتش عما يبطنه.
روى الإمام ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(كانت المرأة إذا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفها بالله ما خرجت مهاجرة من بغض زوج، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، وبالله ما خرجت في التماس دنيا، وبالله ما خرجت إلا حباً لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم).
يقول ابن زيد: وإنما أمرنا بامتحانهن؛ لأن المرأة كانت إذا غضبت على زوجها بمكة قالت: لألحقن بمحمد عليه الصلاة والسلام، كأنها تريد أن تكيد زوجها! وقال مجاهد: فامتحنوهن، أي: سلوهن ما جاء بهن، فإن كان جاء بهن غضب على أزواجهن، أو سخط أو غيرة ولم يؤمن، فارجعوهن إلى أزواجهن.
قوله:((فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ))، قال الزمخشري: يعني: إن علمتموهن العلم الذي تبلغه طاقتكم، وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الأمارات، وإنما سماه علماً إيذاناً بأنه كالعلم في وجوب العمل به.
قوله:((فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ)) أي: فلا تردوهن إلى أزواجهن المشركين؛ إذ لا حلّ بين المؤمنة والمشرك؛ لأن إيمانها قطَع عصمتها من المشرك المعادي لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.